تاريخ ما أهمله التاريخ الطفولة البريئة والأديان المتعددة

تاريخ ما أهمله التاريخ الطفولة البريئة والأديان المتعددة!

تاريخ ما أهمله التاريخ الطفولة البريئة والأديان المتعددة!

 العرب اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ الطفولة البريئة والأديان المتعددة

بقلم : مصطفى الفقي

يقع منزلى فى قرية «الدبلوماسيين» فى الساحل الشمالى المصرى، ملاصقًا لمنزل زميلى الراحل السفير «وهيب المنياوى» ونحن نتجاور على امتداد السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وقد كان رحمه الله إنسانًا خلوقًا، عمل سفيرًا لـ«مصر» فى «بيرو» و«فنزويلا» و«اليابان» وتبوأ مواقع مرموقة، وحصد رقمًا عاليًا فى انتخابات مجلس قرية الدبلوماسيين قرب «سيدى عبدالرحمن» حيث يقيم «عمرو موسى» و«نبيل العربى» و«سامح شكرى» و«منير فخرى عبدالنور» والراحل «ممدوح البلتاجى» وغيرهم من الشخصيات المعروفة، كما جرى انتخابه رئيسًا للمجلس المصرى للشؤون الخارجية ثم غادرنا إلى عالم البقاء منذ شهور قليلة، وقد لاحظت أن أحفادى وأحفاده يرتبطون بصداقة قوية وينتظرون شهور المصيف كل عام حيث لقاؤهم مستمر من الصباح حتى ساعة متأخرة من المساء يلعبون ويلهون ويضحكون فى براءة وطهارة ونقاء وينتقلون بين منزلى وبين منزل «المنياوى» فى تعلق شديد ومحبة زائدة لا يحول دونها حاجز!.

وغالبًا ما يأتى أحفاده وأحفادى كل عام من الخارج ولكن الدم المصرى يشدهم فى رابطة قوية تدعونى إلى التأمل دائمًا، هل يدرك أحفادى أنهم يدينون بالإسلام وأن أحفاد صديقى يدينون بالمسيحية؟، وأسعد أن ذلك لا يشكل لديهم أى هاجس ولا موقف ولا نظرة، فالاندماج كامل والمحبة بغير حدود، وحينما رحل «وهيب المنياوى» وعرف أحفادى الصغار أننى ذاهب مع جدتهم إلى كنيسة «المرعشلى» لأداء واجب العزاء أصروا على الحضور معنا والتقوا أصدقاءهم من أحفاد الراحل لقاءً حميمًا وحزينًا، لا يخلو من شجن ولا يفتقد روح الشوق فى ذات الوقت، فقد كنا فى فصل الشتاء ولم يلتقوا منذ شهور الصيف الماضى.

وأنا أطرح الآن السطور السابقة لأتساءل من أين يأتى بعد ذلك (فيروس) الفتنة الطائفية أو الشعور بالاختلاف الدينى الذى تتولد عنه أحيانًا أحداث دامية تبدأ من حرق الكنائس إلى الهجوم على الأقباط إلى ترويع الآمنين، مع أننا جميعًا مصريون نشترك فى الأصل الواحد كما أن الدماء التى تجرى فى عروقنا هى ذات الدماء، ولم يختر أحدنا دينه ولكننا مضينا على دين آبائنا وكل منا يتعلق بعقيدته وتشده رابطة روحية قوية إليها ويحترم قدسيتها ويرفض المساس بها.

لذلك فإنه يبدو أمرًا غريبًا على المزاج المصرى العام أن يسمح للطائفية البغيضة أن تكون شعورًا متأصلًا لدينا منذ الطفولة، فها هم يمرحون أمامى فى براءة الملائكة ويأكلون معًا ويشربون معًا، وليس لديهم أدنى إحساس بالتباين أو الاختلاف، فالله الذى خلقنا هو ذات الإله الواحد الذى نعبده جميعًا!، فإذا كان «المنزل» كذلك فما دور «المدرسة» فى تشكيل الوجدان المشترك للأطفال المصريين حتى يكتسبوا حصانة لا تؤثر فيها محاولات التفرقة أو بث سموم البغضاء التى لا تعرفها الروح المصرية بل تستنكرها منذ فجر التاريخ.

وتذكرت أيام كنا أطفالًا فى مدارس منتصف القرن الماضى ولم يكن المدرس المسيحى للرياضيات أو اللغة الإنجليزية على سبيل المثال يفرق بين تلاميذه إلا بكفاءتهم العلمية واجتهادهم الشخصى، كما أن مدرس اللغة العربية وقتها كان يحتضن أبناءه الأقباط ويسعد بالمتميزين منهم، ولم نكن نعرف المسلم من المسيحى إلا فى حصة الدين أو خلال بعض المناسبات أو الأعياد، تلك كانت روح «مصر» الرائعة فى وقت كان يشعر فيه المصرى بأنه هو الكل فى واحد.

إن رواد نهضتنا من أبناء الديانات السماوية الثلاث، منهم مسلمون ومسيحيون ويهود، من نماذجهم «طه حسين» و«سلامة موسى» و«داوود حسنى» كل فى ميدانه حتى انصهرت ثقافة المصريين فى بوتقة واحدة تصحب المصرى أينما ذهب ولو إلى آخر بقاع الدنيا.

إننى أتذكر أيضًا فى كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة- وقد كنت رئيسًا لاتحاد طلابها- أن «ممدوح عباس» و«ناجى منصور» كانا يقودان مجالات السمر والمرح فى الكلية ولا يعرف أى منا أن «ممدوح عباس» مسلم (رئيس نادى الزمالك بعد ذلك) وأن «ناجى منصور» مسيحى (وكيل وزارة فى هيئة الاستثمار بعد ذلك)، فلم يكن الأمر يعنينا أو يثير لدينا تساؤلًا واحدًا، فأين ذلك مما رأيناه مؤخرًا فى قرى «المنيا» والأحداث المؤسفة التى نرجو أن نخرج منها بلا عودة، معتمدين على تشريعات واضحة وقوانين عادلة مع تغليظ العقوبات على الجرائم الطائفية لأنها خيانة للوطن وعدوان على الشعب وتنكر لتاريخ الأمة؟!.

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ الطفولة البريئة والأديان المتعددة تاريخ ما أهمله التاريخ الطفولة البريئة والأديان المتعددة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab