تاريخ ما أهمله التاريخ  الإرهاب فى مقبرة الأمين العام للأمم المتحدة

تاريخ ما أهمله التاريخ : الإرهاب فى مقبرة الأمين العام للأمم المتحدة

تاريخ ما أهمله التاريخ : الإرهاب فى مقبرة الأمين العام للأمم المتحدة

 العرب اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ  الإرهاب فى مقبرة الأمين العام للأمم المتحدة

بقلم : مصطفى الفقي

تربطنى علاقة متصلة بـ«الكنيسة البطرسية»، التى تعرضت للجريمة الإرهابية الغادرة فى يوم أحد يصلى فيه المسيحيون فى كنائسهم ويحتفل المسلمون بمولد نبيهم الكريم، فإذا التفجير الآثم يحيل المصلين فى الكنيسة الصغيرة إلى دماء وأشلاء، ويحصد الموت فى الحال خمسة وعشرين مصرياً مع عشرات الجرحى الذين لم يقترفوا ذنباً ولم يفعلوا جرماً فى ذلك الصباح الهادئ بحى العباسية، حيث تقع الكنيسة فى حرم «الكاتدرائية المرقسية»، ولاشك أن هناك تسيباً أمنياً تتحمله أطراف كثيرة، إذ يبدو أن غياب البابا «تواضروس الثانى» فى مهمة بالخارج يؤدى تلقائياً إلى حالة استرخاء أمنى استغلها الجناة فى تنفيذ مخططهم الإرهابى العدوانى.

أعود إلى «الكنيسة البطرسية» والمناسبات الثلاث التى حضرت فيها إلى تلك الكنيسة الأنيقة، التى تبدو إلى جانب الكنائس الأخرى مثل «البوتيك» الصغير بين المحال الكبيرة، فالرخام مستورد من «إيطاليا» والنقوش والزخارف متميزة، والكنيسة تحفة رائعة تم فيها نقل رفات «بطرس باشا غالى» عام 1933، وهو رئيس وزراء مصر الذى اغتاله «إبراهيم ناصف الوردانى» عام 1910 فى فترة تأزم طائفى لا نرجو له أن يعود أبداً.

ويقبع داخل قبو الكنيسة رفات عدد من أقطاب العائلة، لعل أهمهم هو أستاذى الراحل الدكتور «بطرس بطرس غالى»، الذى حظى يوم دفنه فيها بحضور شخصيات دولية ومصرية تتناسب مع مقام الراحل العظيم، ويومها أدار الاحتفال ابن ابنة عمه الوزير السابق «منير فخرى عبدالنور»، وتحدثت خلاله مديرة عام اليونسكو ومندوبة الأمين العام للأمم المتحدة والسيد «عمرو موسى»، وكان مشهداً مهيباً بحضور قرينة الراحل السيدة «ليا نادلر»، ويومها لم يتح لى الحديث لأن الوقت كان ضيقاً والبرنامج كان معداً سلفاً، إذ كانت هى المناسبة الثالثة والأخيرة التى دخلت فيها تلك الكنيسة التاريخية المتميزة.

وقد دخلتها قبل ذلك مرتين، الأولى فى زفاف «يوسف بطرس غالى»، وزير المالية الأسبق، على قرينته الراحلة السيدة «ميشال صايغ»، وكان الحفل أنيقاً أضفى عليه وجود الجانب اللبنانى من جانب العروس شياكة ورقياً، ثم كانت المناسبة الثانية عام 2010 عندما اتصل بى أستاذى الراحل «بطرس بطرس غالى» وطلب منى حضور حفل الذكرى المئوية لاغتيال جده الكبير، على أن أكون المتحدث الوحيد أمام صفوة من رجال السياسة والثقافة ورموز المجتمع المصرى، وقد فعلت ذلك بعد نقاش لطيف مع أستاذى قلت فيه إننى لن أستطيع تبرئة الجد الراحل من كل ما وجه إليه، ولكننى سوف أركز على بعض الإيجابيات، منها إنشاؤه «جمعية التوفيق القبطية»، وموقفه المتضامن مع الشيخ «البشرى» عندما عزله الخديو من مشيخة الأزهر، وذكّرته بالعبارات البسيطة التى كررها جده عندما حضر الخديو «عباس حلمى الثانى» ليراه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ووقتها قال «بطرس غالى الكبير» وهو يحتضر (هذا كثير علينا يا أفندينا) ممتناً فى شفافية المحتضر لولى الأمر! وفور أن انتهيت من كلمتى قام د. «بطرس غالى» من مقعده واحتضننى أمام الجميع، تعبيراً عن رضائه عن الكلمة المتوازنة التى أعطيت فيها «بطرس باشا غالى» إلى جانب الانتقادات الموجهة إليه بعض الإيجابيات ولو محدودة.

لقد طافت بذهنى مشاهد تلك المناسبات الثلاث وأنا أتابع الأخبار الأولى للحادث الإرهابى الغادر، وقلت فى نفسى: (لقد وصل الإرهاب إلى مقبرة أمين عام الأمم المتحدة لأنه إرهاب بلا وطن أو خلق أو دين، إنه تعبير جديد عن مفهوم الجريمة المنظمة والممنهجة بشكل واضح)، فالذين أقدموا على هذا العمل الذى يتسم بالخسة والنذالة إنما يستهدفون اغتيال الشخصية المصرية ودور العبادة فى رسالة حمقاء تسعى لبعث روح التعصب وبث سموم الفتنة الطائفية فى صفوف شعب يبدو تماسك أبنائه وترابط فئاته هو أغلى ما يملك على مدار التاريخ كله.

إن الجريمة البشعة التى هزت الوجدان المصرى والضمير الإنسانى هى ناقوس خطر يدق بشدة ليتذكر الجميع أن استهداف «مصر» حقيقة وليس وهماً، وأن تعويق مسيرتها هدف وليس خيالاً، فكلما حاولت «مصر» أن تحلق نحو مجتمع الأمل والمستقبل الواعد الذى تبذل من أجله أغلى التضحيات وتتحمل فى سبيله أشد المعاناة نجد أن هناك من يرصدون جهودها ويقفون فى طريقها.. إننى أتخيل أستاذى الراحل وهو يتقلب فى قبره، خصوصاً أنه كان أبعد ما يكون عن التعصب الدينى أو الجمود الفكرى، لذلك لا يستحق «بطرس بطرس غالى» إلا الإكبار والاحترام حياً وميتاً، فقد كان ابناً باراً للوطنية المصرية، تمحو إنجازاته لوطنه خطايا سابقيه وتضعه فى المكان الملائم من تاريخنا المعاصر.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ  الإرهاب فى مقبرة الأمين العام للأمم المتحدة تاريخ ما أهمله التاريخ  الإرهاب فى مقبرة الأمين العام للأمم المتحدة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab