المعاهد الدينية وتجديد الخطاب

المعاهد الدينية وتجديد الخطاب!

المعاهد الدينية وتجديد الخطاب!

 العرب اليوم -

المعاهد الدينية وتجديد الخطاب

بقلم : مصطفى الفقي

إننى ممن يومنون أن التحكم فى أمر ما يبدأ من بدايته مثلما هو الأمر فى تحصيل الضرائب عند المنبع، وفى «مصر» حاليًا آلاف المعاهد الدينية لأن أعيان القرى أو الموسرين فى المدن قد استسهلوا التقرب إلى الله واكتساب الشعبية بين الناس من خلال إقامة هذه المعاهد بإسراف فى العدد وإفراط فى التوزيع فأصبحنا أمام خريطة مدهشة وغير مفهومة، ونحن بداية لسنا ضد مبدأ إقامة هذه المعاهد كما أننا نشجع على التعليم الدينى إذا كان يؤدى إلى بناء دعائم الفضيلة ويرفع لواء الأخلاق ويقدم لنا نماذج جديدة من «رفاعة الطهطاوى» و«محمد عبده» و«طه حسين» و«على عبدالرازق» و«محمود شلتوت» أما إذا كانت هذه المعاهد سوف تتحول إلى دكاكين صغيرة لتوليد المتطرفين وتفريخ نماذج من إرهابيين جدد تبدأ بانتماءات مشروعة تحت عباءة السلفية ثم تتحول بفعل بعض التلقينات المنحرفة وعمليات غسل الأدمغة، فنحن سوف نفاجأ أننا أمام أجيال جديدة لا تعرف الانتماء إلى الوطن الحقيقى ولا الدين الصحيح، أقول ذلك وقد وصلت إلى مسامعى، أنا وغيرى، أن بعض هذه المعاهد الدينية ـــ رغم خضوع معظمها لإشراف الأزهر الشريف ـــ تبدو بعيدة عن الأعين الواعية، ومتروكة لمن يدخلون عليها بالتبرعات السخية والأفكار الغريبة فى وقت واحد!، إننى أطرح هذا الموضوع اليوم ودافعى فيه وجه الله والوطن، نعم.. إن دافعى هو الحرص على الإسلام الحنيف والوطن المفدى ومحاولة الارتقاء بالتعليم الدينى إلى مستوى الشريعة السمحاء والفقه السليم، وإذا كانت «مصر» قد قدمت للعالم الإسلامى بل لكافة أرجاء الدنيا ودولها طرحها الفكرى الرصين ومبادرتها الخالصة خدمة للإسلام ولمصلحة المسلمين ومواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب وذلك عندما أعلن «رئيس مصر» عن دعوته التاريخية لتجديد الخطاب الدينى فإنها دعوة لا تأتى إلا من «مصر الأزهر الشريف» ورئيس مصر المعروف بصدق تدينه وسلامة إيمانه، ولعلى أطرح بهذه المناسبة القضايا التالية:

أولًا: إن «مصر» دون غيرها هى الأولى فى الحفاظ على التراث الإسلامى والثقافة العربية، كما أنها بلد الوسطية والاعتدال، منها خرج المجددون والعلماء المتميزون، فضلًا عن أنها البلد الذى يضم رفات معظم «أهل البيت» الذين لاذوا بها فى القرن الأول الهجرى، من هنا فإن «مصر» عندما تتحدث عن تجديد الخطاب الدينى فإنها لا تعبث بالثوابت وتدرك جيدًا العمد الرئيسة والأركان الأساسية لهذا الدين الحنيف، لذلك فإن دعوتها غير مطعون فيها أو مشكوك فى دوافعها فضلًا عن أن تلك هى مسؤوليتها التى اضطلعت بها منذ فجر الإسلام وضحاه، ولا ننسى هنا سلسلة الكتاب المصريين العظام الذين أجادوا بأمانة شديدة التأريخ للإسلام ونذكر منهم على سبيل المثال «عباس محمود العقاد» و«طه حسين» و«أحمد أمين» و«محمد حسين هيكل» وغيرهم من الكوكبة المضيئة فى تاريخنا الحديث.

ثانيًا: إن المشكلة الحقيقية فى المعاهد الدينية ـــ على كثرتها ـــ أنها تبدو أحيانًا وفى نظر عدد كبير من العائلات خصوصًا فى الريف أنها طريق سهل للحصول على الشهادة والالتحاق بالجامعة، من هنا تدنت المستويات العلمية وانخفضت قدرات معظم خريجى تلك المعاهد وأصبحوا جاهزين أحيانًا لتقبل الأفكار المتطرفة وتبنى المفاهيم المغلوطة لأن نوعية الطلاب من بنين وبنات ونوعية المعلمين والمعلمات أيضًا تكون أحيانًا دون المستوى خصوصًا أن اختيارهم يخضع لضغوط من أصحاب هذه المعاهد الدينية أو المتبرعين لها، لذلك فإننى أدق ناقوس الخطر لأن ما يحدث لا يدعم فقط التطرف ولكنه ينتقص أيضًا من مستوى التعليم الدينى على نحو قد يفاجئنا ذات يوم بضعف مستوى الدعاة وانخفاض قدراتهم المهنية، إننى أتذكر مع القراء كيف كانت المعاهد الدينية من قبل، نتذكر «معهد الإسكندرية» و«المعهد الأحمدى» فى «طنطا» و«معهد أسيوط» وغيرها من المعاهد التى قدمت لنا رموزًا دينية يتذكرها الجميع، أما اليوم فإن هذه المعاهد الصغيرة تبدو أقرب إلى الكتاتيب منها إلى المفهوم السليم للمعهد الدينى، ولعلى أبدى انزعاجى من تركيزنا على الكم على حساب الكيف فهناك آلاف من المعاهد الدينية للفتيان والفتيات ـــ بمراحلها المختلفة ـــ ولكنها لا تقدم ما نطمح إليه ونسعى فى سبيله.

ثالثًا: إن العالم يتغير حولنا ونظرة العداء والحقد لمصر تتزايد وضربات الإرهاب تستهدفنا وتحاول تمزيق نسيجنا الوطنى وترويع أشقائنا المسيحيين المصريين، لذلك فنحن فى حاجة إلى الداعية الواعى الذى يدرك هذه الحقائق ولا يكون أداة طيعة فى يد من يضمرون الشر لأجيالنا القادمة ولا يتمنون الخير للكنانة أبدًا، كما ألفت النظر إلى أن التعليم الدينى فى «مصر» هو جزء من تراثها الثقافى وشخصيتها الحضارية ولكننا نقصد به ذلك التعليم المتميز الذى قدم للعالم الإسلامى أفضل علمائه كما لا يخفى على أحد أيضًا أن الإسلام السياسى ـــ بكل توجهاته وتنظيماته ـــ هو ابن شرعى لـ«مصر» غداة سقوط دولة الخلافة الإسلامية على يد «أتاتورك»، فـ«مصر» إذن تتحمل مسؤولية كبيرة فيما يجب أن تفعل فى هذا السياق لأنها صاحبة إسهام فى تسييس الإسلام وهى أيضًا صاحبة إسهام أكبر فى مقاومة الإرهاب!.

هذه ملاحظات قصدت منها أن ألفت النظر إلى أهمية التعليم الدينى، وكيف أنه سلاح ذو حدين كما أنه يعتبر قضية حاكمة فى مسألة تجديد الخطاب الدعوى الذى نسعى إليه خصوصًا فى ظل التغيرات الدولية الجديدة واختلاف المزاج العام فى السياسات الدولية المعاصرة، ولن أختم هذه السطور دون الإشارة إلى مخاطر التعددية فى نظم التعليم المصرية ـــ دينية ومدنية، عامة وخاصة، وطنية وأجنبية، مجانية واستثمارية ـــ وانعكاس ذلك على التركيبة العامة للشعب المصرى وإحداث فجوة بين فئاته المختلفة ومكوناته المتعددة.. حمى الله «مصر» المتماسكة بمسلميها ومسيحييها لأن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة خطابها الدينى دون عبث بالثوابت أو انتقاص من عظمة الشريعة الغراء!.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعاهد الدينية وتجديد الخطاب المعاهد الدينية وتجديد الخطاب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab