«أم العجائز» السيدة زينب

«أم العجائز».. السيدة زينب

«أم العجائز».. السيدة زينب

 العرب اليوم -

«أم العجائز» السيدة زينب

بقلم ـ مصطفي الفقي

ما مررت مرَّةً أمام مسجدها الرائع فى ذلك الحى الشعبى الذى تفوح منه رائحة التاريخ ويظهر فيه ألق الماضى إلا وشعرت أننا فى رحاب بنت بنت رسول الله كما يقولون، وعندما يدور الإنسان حول المسجد يكتشف عراقة المبانى القديمة والمنازل الأثرية التى يصل عُمر بعضها إلى أكثر من أربعمائة عام، وأشعر أن ذلك الحى القاهرى العريق يرتبط فى أذهان الكثيرين بالروحانية وجلال التاريخ وروعة الماضى، ويطلقون عليها أسماء كثيرة، لعل أشهرها تعبير «أم العجائز»، ويتقاطر المصريون- خصوصاً من أنحاء الريف- لزيارتها هى وشقيقها «الحسين»، رضى الله عنهما، وعندما غنَّى «محمد عبدالمطلب» أغنيته الشهيرة: «من حىّ السيدة لسيدنا الحسين» كان يداعب مشاعر الناس الذين يدركون أن تلك الرحلة القصيرة هى جولة فى أعماق «القاهرة الإسلامية» من شارع «المعز» إلى «السيدة زينب». و«السيدة زينب» دُفنت فى ضريحها مع مَنْ وفدوا إلى «مصر» من أهل البيت فى عصر الاضطهاد الأموى مع سنوات القرن الأول الهجرى ومطاردة ذرية الإمام «على»، رضى الله عنه، بعد سنوات الفتنة الكبرى. ولمسجد «السيدة زينب» مجلس إدارة يترأسه شخصية مهمة، غالباً ما تكون من الساسة أو كبار المسؤولين، نظراً لأهمية المسجد وضخامة الحى، وتتردد قصة- غير مؤكدة- أن الرئيس الراحل «عبدالناصر» قد تلقى نصيحة من مستشاريه أن يأتى أول ظهور جماهيرى له بعد حرب 5 يونيو 1967 فى إطار احتفال دينى أو مناسبة شعبية، وقد وقع الاختيار على زيارة «السيدة زينب» فى احتفال مولدها الذى صادف النصف الثانى من شهر يونيو من ذلك العام، ولاشك أن السيد «سامى شرف»، مدير مكتب الرئيس الراحل، وقرين رحلته، قادر على أن يؤكد صحة هذه الواقعة. وما أكثر الذين يتبركون بزيارة «السيدة زينب»، ولا يخفى علينا أن فى «دمشق» مسجداً باسمها وحياً يقترن أيضاً بذكراها، مثلما هو الأمر بالنسبة لـ«الحسين» سيد الشهداء، وليس غريباً أن المسلمين من خارج «مصر» تستهويهم ذكرى هذه الراحلة المباركة من سبط بيت النبوة، ومازلنا نتذكر أن رئيس «إيران» الأسبق «أحمدى نجاد» عندما جاء إلى «مصر» فى سنة حكم الإخوان المسلمين كان متعلقاً بزيارة «الحسين» وشقيقته «أم العجائز». ولقد كان «توفيق الحكيم»، وهو الأب الشرعى للمسرح المصرى، وأبرع من كتب الحوار الروائى فى القرن الماضى، كان من محاسيب «السيدة زينب»، يتبارك بها ويكتب عنها، بل لقد نهج على دربه أيضاً ملك الرواية المصرية أديب «نوبل» نجيب محفوظ، وكلما ذهبت لزيارة «بيت السنارى» التابع لـ«مكتبة الإسكندرية»- وهو يقع خلف مسجد تلك الطاهرة- وجدتنى أقرأ لها الفاتحة وأتأمل الضريح والمسجد، وأرى أنها من رائحة نبى الإسلام، وإن كان هناك من يرى أن «السيدة نفيسة» هى أكثر الشخصيات قرباً من البيت النبوى وأكثرها تأكداً من وجودها الحقيقى فى «مصر»، ولا ينازع فى وجودها غيرنا ولا ضريح لها خارج «الكنانة».

إن أضرحة أهل البيت ومقابر الصحابة هى تراث إسلامى كبير لم نحسن توظيفه لخدمة الإسلام المعتدل، فالطرق الصوفية فى ظنى هى إحدى الآليات الناجحة لضرب التطرف ووضع الإسلام فى مكانته الصحيحة، فالصوفى يعبد الله فى إيمان عميق ولا يسعى لتوظيف الدين فى خدمة أهداف دنيوية، فقد بنى حياته على الزهد والصدق والانصراف لمناجاة الله سراً وعلناً. لقد كانت «مصر» عبر تاريخها الطويل مستقراً للوافدين إليها ومن يلوذون بها، وهى الأرض الطيبة التى فتحت الباب لاستقبال اللاجئين، بدءاً من اللاجئ الأول سيدنا «عيسى»- عليه السلام- ووصولاً للملوك السابقين والرؤساء المعزولين، إذ إن تقاليد «الكنانة» أن تحتوى كل قادم إليها وتضمه فى ترابها الطاهر، لم تَرُدَّ لاجئاً، ولم تخذل ضيفاً، بل استقبلت دائماً كل من جاءها بغير تفرقة أو تمييز، وها هى أضرحة أهل البيت تمثل منارات للهدى وشهادات على روح «مصر» الطيبة وشعبها المضياف.

ومازلت أتذكر أستاذنا الراحل «د. عبدالملك عودة» الذى كان يتندر علينا نحن القادمين من خارج القاهرة قائلاً: إن من يرد التبرك فعليه أن يقيم فى فندق «الحرم الزينبى»، حيث كانت دعاباته الأبوية تملأ أجواء «كلية الاقتصاد والعلوم السياسية» فى ستينيات القرن الماضى، ولا يقتصر وجود الأضرحة على «القاهرة» وحدها، فكلما مررت أمام مسجد «المرسى أبوالعباس» فى «الإسكندرية»، وبجواره صِنْوٌ آخر له، أو زرت مدينة «طنطا» لأشهد ضريح «السيد البدوى» فى «وسط الدلتا»، أو تابعت احتفالات مولد «عبدالرحيم القناوى» فى جنوب البلاد، وكذلك تهافت المسلمين لزيارة ضريح «أبوالحسن الشاذلى» فى جنوب الصحراء، كلما فعلت ذلك أدركت أن بركات هؤلاء الأقطاب تقف شامخة جنباً إلى جنب مع «الدير المحرق» فى «أسيوط» أو الأديرة القديمة فى قلب «القاهرة»، فضلاً عن تلك التى تقع على شاطئ البحرين الأبيض والأحمر. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك أيضاً المعابد اليهودية القائمة فى أنحاء «القاهرة»، ونظيرها فى شارع «النبى دانيال» فى «الإسكندرية»، وهى معابد قامت الدولة المصرية بترميمها والعناية بها كما تفعل مع الكنائس والمساجد، لأن «مصر» تحتضن كل رسالات السماء ولا تفرق بين أهل الكتاب.. تحية يا «أم هاشم» ودعاءً لأنْ يرفع الله الغمة عن هذه الأمة، وأن ينصر «الكنانة» فى معاركها من أجل الاستقرار والازدهار والأمان والسلام.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أم العجائز» السيدة زينب «أم العجائز» السيدة زينب



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab