يراهن نتانياهو وهو كامل الثقة على أنه مهما فعل، ومهما خالف أي رغبات لإدارة بايدن في غزة أو الشرق الأوسط، فإن هذه الإدارة لن تستطيع أن تجرؤ على عقابه أو عقاب ائتلافه الحاكم.
رهان نتانياهو يعتمد على 3 عوامل رئيسية:
أولاً: طبيعة العلاقة التاريخية بين الدولة العبرية والولايات المتحدة.
ثانياً: تأثير اليهود الأمريكيين في السياسة الأمريكية (يمثلون 4 % من السكان) ويتحكمون في أكثر من نصف المفاصل الرئيسية في التأثير داخل مراكز صناعة القرار الأمريكي.
ثالثاً: أهمية اللوبي الأمريكي الصهيوني (الأيباك) في التأثير على مراكز صناعة القرار في الإعلام والمال ومراكز البحث ومجلس الشيوخ والنواب ولجان التأثير في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتزداد هذه الأهمية في عام مثل عامنا هذا حينما تأتي الفترة الحساسة والدقيقة لعام الانتخابات الرئيسية.
من هنا يراهن نتانياهو على أن لديه «شهر عسل» مضموناً خالياً من قرار ضاغط من إدارة بايدن حتى يوم 19 نوفمبر المقبل، وهو اليوم الذي تحسم فيه رسمياً مسألة تسمية الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية.
ومن أكثر الذين يشعرون باستفزاز عظيم من لعبة نتانياهو هذه، وعدم مبالاته بأي مصالح لإدارة بايدن، هو أنتوني بلينكن وزير الخارجية الحالي في إدارة بايدن.
منذ اليوم الأول التالي لأحداث 7 أكتوبر الماضي والرجل أعلن صراحة وبوضوح «الدعم غير المشروط واللانهائي والمفتوح» لحكومة إسرائيل في حربها ضد ما أسماه «إرهاب حركة حماس».
ومنذ اليوم الأول، أكد بلينكن على ما أسماه «حق إسرائيل المشروع في الدفاع الشرعي عن نفسها بكل الوسائل».
وقام بلينكن بأكبر عدد من الزيارات الخارجية لإسرائيل ودول الشرق الأوسط في 7 أشهر، رغم أن الخارجية الأمريكية أعلنت أن بؤرة الاهتمام الاستراتيجي لواشنطن انتقلت من الشرق الأوسط إلى منطقة بحر الصين والمحيط الباسيفيكي.
ووجهت الخارجية ممثلتها في مجلس الأمن والجمعية العامة والمنظمات الدولية (الأونروا – المحكمة الجنائية الدولية – لجنة حقوق الإنسان بجنيف) للاعتراض والمواجهة واستخدام حق النقض ضد أي قرار يدين إسرائيل، والاعتراض على أي قرار يعطي الفلسطينيين الحق القانوني في الحصول على صفة دولة مستقلة دولياً.
زار بلينكن المنطقة 7 مرات وناقش واستمع وفاوض عشرات الساعات مع كافة الأطراف من أجل التوصل لهدف، وإنجاز أي مشروع يؤدي لأي تسويات سياسية.
في مقابلة تلفزيونية هامة مع قناة «أي بي سي. نيوز» منذ أيام لم يستطع الرجل أن يخفي مشاعره المحبطة سياسياً من سياسة نتانياهو وحكومته اليمينية المتشددة.
ورغم استخدام كل القاموس الدبلوماسي الممكن، ورغم كل محاولات ضبط النفس، قال بلينكن: «إذا شنت إسرائيل عمليتها العسكرية الكبرى في رفح فإن هناك أنظمة معينة من الأسلحة لن ندعم بها ولن نوفرها لهذه العملية».
وكرر بلينكن عبارة: «إننا لم نرَ أي ترتيبات إسرائيلية لتأمين المدنيين قبيل بدء هذه العملية المقررة في رفح».
ويلاحظ المراقب المحايد عبارة: «إذا أقدمت إسرائيل على عملية كبرى في رفح».
ويلاحظ أيضاً عبارة «تؤدي إلى خسائر كبرى في المدنيين هناك».
إذاً المشكلة ليست في العملية أو في خسائرها أو نوعية السلاح، ولكن في السقف المسموح به من الخسائر الذي لا يحرج بايدن في عام الانتخابات!