أعلن رجب طيب أردوغان حالة الطوارئ فى تركيا لمدة 90 يوماً من أجل ما سماه «حماية الديمقراطية» فى بلاده.
جاء ذلك فى اجتماع مطول بين الحكومة ومجلس الأمن القومى فى تركيا للحفاظ على أمن واستقرار البلاد.
وإعلان حالة الطوارئ هو أمر منصوص عليه فى معظم الدساتير الديمقراطية للدول التى تحترم القانون، شريطة أن تنطبق على الأوضاع فى البلاد «الظروف الاستثنائية المهددة للأمن والسلامة للبلاد وللمواطنين».
وبالطبع فإن محاولة انقلاب عسكرى هى حالة من الحالات القصوى التى يحق للسلطة التنفيذية أن تلجأ فيها إلى مثل هذا الأمر.
آخر الدول الكبرى التى لجأت إلى قانون الطوارئ هى فرنسا 4 مرات خلال الـ18 شهراً الماضية لمواجهة موجة الإرهاب العاتية التى تعرضت لها.
إذن استخدام أردوغان لحالة الطوارئ هو أمر منطقى لا ينازعه فيه أى عاقل محايد.
الأمر الذى يبعث على القلق هو مجموعة الإجراءات التى لجأ إليها نظام الحكم فى تركيا قبل، وليس بعد، إعلان الطوارئ.
بلغ عدد المبعدين والمفصولين والمقبوض عليهم حتى كتابة هذه السطور أكثر من 37 ألفاً من الجيش والشرطة والقضاة وأساتذة التعليم الجامعى ومدرسى المدارس الابتدائية والإعدادية.
وتم إلغاء تصاريح محطات تليفزيون وتراخيص صحف وإذاعات وشركات.
هذا الأمر جعل وزير الخارجية الفرنسى يقول إن محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقفنا ضدها لا يجب أن تعطى أردوغان تفويضاً مطلقاً كى يفعل أى شىء ضد معارضيه.
وحذرت السيدة موجرينى، المنسقة العامة للاتحاد الأوروبى، تركيا من الابتعاد عن الممارسات الديمقراطية.
ويقول مؤيدو أردوغان إن هذه الإجراءات هى رد فعل طبيعى وضرورى من أجل حماية البلاد.
ولكن.. يبدو أن تركيا قد دخلت فى نفق القصاص والإقصاء السياسى واستغلال الظرف التاريخى الحالى من أجل تحقيق 3 أهداف رئيسية:
1- تغيير علمانية المجتمع التى كانت شرطاً إلزامياً منذ تولى مصطفى كمال أتاتورك الحكم فى العشرينات وإعلان نهاية الخلافة العثمانية.
2- القصاص من المعارضة المزعجة للنظام وعلى رأسها أنصار فتح الله جولن.
3- إعادة بناء مؤسسات الدولة السيادية، وعلى رأسها الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء، اعتماداً على مؤيدى النظام.
هذا كله يهدف إلى تمكين أردوغان وحزب العدالة والتنمية من بناء نظام «العثمانيين الجدد».
هذا الخيار يهدف لخلق زعامة إقليمية كبرى تقود المنطقة تستطيع مقايضة أوروبا المرهقة والمنقسمة بمكاسب سياسية فى الاتحاد الأوروبى.
ويعتقد أردوغان أنه قادر على أن يمارس أسلوب حكام العالم الثالث محلياً، ويحصل على زعامة الجيران إقليمياً، ويتصرف كدولة ديمقراطية دولياً.
هل يتمكن أردوغان من الجمع بين هذه المتناقضات الحادة؟
فى رأيى هذا أمر شديد الصعوبة بل شبه مستحيل!