بقلم : عماد الدين أديب
كنت دائماً أتمنى لتركيا أن ينجح نموذجها فى الديمقراطية والتنمية وأن تتمكن من أن تكون مثالاً لدولة ناهضة ذات بريق مثل حالة ماليزيا.
وكان حماسى لتركيا وماليزيا أن يكون هناك مثال لدول إسلامية ناجحة يحتذى بها بين العالم الإسلامى، وأن يشكل هذا النجاح رداً على تلك المقولة الحقيرة التى تربط المسلمين بالتخلف وعدم قدرتهم على إقامة حكم رشيد ونظام محترم بالمقاييس المتعارف عليها عالمياً فى عالم اليوم.
وفى بداية وصول رجب طيب أردوغان، وداود أوغلو، وجول فى قيادة حزب العدالة والتنمية لم تكن هناك مشكلة فكرية وسياسية.
وكنت أعتقد أن أردوغان -بالذات- رجل يطبق مواقف مبدئية بعيداً عن لعبة «السيرك السياسى»، وانتهازية المصالح التى دمرت قواعد النظام الدولى الحالى.
ولكن..
يصل المتتبع لسياسة أنقرة ومواقف حكومتها فى الآونة الأخيرة إلى حالة من الحيرة والاضطراب من تبدل وتضارب مواقفها الأخيرة.
بالنسبة لإيران، وقفت أنقرة موقف الشريك التجارى، ثم الخصم السياسى أثناء الحرب الأهلية السورية، ثم عادت عن مواقفها بعدما تم الإعلان عن الإفراج عن الأرصدة الإيرانية حتى تحصل على جزء من «كعكة المصالح».
ومع إسرائيل، كانت العلاقات الأمنية وفى مجال صناعة التسليح بين تل أبيب وتركيا من أقوى ما يكون، ثم عادت وتوترت بعد حادث سفينة المساعدات التركية «مرمرة» لغزة، وأخيراً دون سابق إنذار عاد شهر العسل بين أنقرة وتل أبيب وأعلن أردوغان ونتنياهو الخبر بسعادة غامرة.
وفى الشأن السورى، كانت العلاقات الشخصية بين أردوغان وبشار الأسد من أفضل العلاقات، ثم توترت عقب الحرب الإجرامية ضد الشعب السورى، وطالب أردوغان بمنطقة حظر طيران، ثم توقف عنها، وطالب بدعم المعارضة السورية وتوقف عنها، واحتضن النازحين، ثم طالب بفاتورة التكلفة.
وعقب إسقاط الجيش التركى لمقاتلة روسية، تصرفت أنقرة كأنها قوة عسكرية عظمى، ثم عادت فى الأسبوع الماضى، وقدم أردوغان شخصياً ورسمياً خطاب اعتذار لبوتين ولأسرة الطيار. وتم الحديث عن ترقب لقاء بين بوتين وأردوغان.
ومنذ أيام جاءت تصريحات غامضة من رئيس الوزراء عن الموقف من مصر، واحتمالات المصالحة، ثم عادت أنقرة وقالت إن موقفها لم يتغير، لأن موقفها المبدئى هو «دعم الديمقراطية ورفض الانقلابات العسكرية»!
هنا يطرح الإنسان السؤال: هل إيران ديمقراطية؟ وهل قيصر روسيا ديمقراطى؟ وهل نظام الحكم فى العراق غير طائفى ومضاد للسنة؟
المبادئ لا تتجزأ، أما الانتهازية السياسية فهى لعبة مكشوفة لا مستقبل لها.