موقف السيدة هيلارى كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطى للانتخابات الرئاسية الأمريكية من الأوضاع الداخلية فى مصر «مريب وغريب».
ودون أن ندخل فى ترويج لنظرية المؤامرة الشهيرة حول «الرغبة الأمريكية الدائمة فى إسقاط أى حكم وطنى» فى مصر، تعالوا نناقش تجربة حية واقعية عايشناها جميعاً فى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011.
فى زمن ثورة يناير 2011 كانت السيدة هيلارى هى وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وهى التى نصحت البيت الأبيض بأنه لا بد من الضغط على الرئيس حسنى مبارك للتنحى الفورى عن حكم البلاد تحت 4 دعاوى:
1- إن الرجل قد تقدم فى السن.
2- إن السياسة المصرية كانت ضد الغزو الأمريكى للعراق وضد تقديم خدمات وتسهيلات للقوات الأمريكية عبر الأراضى المصرية.
3- إن مستقبل الحكم فى مصر غير واضح إذا ما قرر الرئيس مبارك إعادة ترشيح نفسه فى سبتمبر من ذلك العام أو فى حال عدم الترشح.
4- وتلك هى النقطة الأهم، أن المسار الديمقراطى فى مصر مسدود وأن قوى المجتمع المدنى غير ممكّنة من ممارسة دورها فى تدعيم الحريات وإقامة المؤسسات السياسية على النسق الأمريكى.
من هنا جاء الضغط على الرئيس مبارك عبر 3 وسائل:
1- بيان البيت الأبيض الذى طالبه بالرحيل بعد مرور عشرة أيام على الأحداث وجاء فيه إن الرحيل «الآن» يعنى «اليوم».
2- إيفاد السفير فرانك وزنر، صديق الرئيس مبارك، إلى مصر لإقناعه بضرورة الرحيل.
3- تصريحات الرئيس أوباما المؤيدة للثورة والثوار وقوله: «إن هذه الثورة كانت ملهمة ومهمة لنا جميعاً».
ذلك كله أعطى رسالة طمأنة للثوار والإخوان والجيش بأن واشنطن قد رفعت يدها عن دعم صديقها القديم حسنى مبارك ونظامه.
كل ذلك ليس فيه إشكالية، فالمسألة فى النهاية هى أنه من حق الدولة الكبرى أن تكون لها مصالحها ومعاييرها فى دعم أو عدم دعم أى نظام.
الأمر المذهل أن واشنطن مارست كل هذه الضغوط على الرئيس مبارك فى فترة ثورة استمرت 18 يوماً تجاه حكم رئيس هى تعلم جيداً أنه لم يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين.
قد يكون للرئيس مبارك إيجابياته وأيضاً سلبياته لكنه ليس بقاتل لشعبه.
المذهل أن الأمريكيين فعلوا كل ذلك مع مبارك، لكنهم لم يصرحوا منذ مارس 2011، أى منذ اندلاع الثورة الشعبية فى «درعا» السورية، بعبارة تقول بالحرف: «على الأسد أن يرحل الآن، والآن تعنى اليوم»!!
لم يطالبوا الأسد الذى قتل جهاراً نهاراً قرابة 400 ألف من شعبه وجرح 2 مليون مواطن وشرد 11 مليوناً!
لم تطلب واشنطن من بشار الأسد صاحب البراميل المتفجرة واستخدام الصواريخ ضد مواطنيه والسلاح الكيماوى ضد النساء والشيوخ والأطفال أن يرحل الآن، وأقصى ما طالبت به قول أوباما مؤخراً فى الأمم المتحدة إنه لا يمكن تصور دور للأسد فى المرحلة الانتقالية.
تم توجيه إنذار لمبارك بالرحيل ولم يتم ذلك مع بشار الأسد!
أى معايير تلك التى تتبناها واشنطن، وتلك التى طبقتها السيدة هيلارى حينما كانت وزيرة للخارجية؟
واشنطن تتألم لحقوق الإنسان فى مصر ولا تتألم لسحق وتدمير الإنسان فى سوريا!
أى معايير لدى السيدة هيلارى؟!