جريمة اغتيال الحوار الموضوعى

جريمة اغتيال الحوار الموضوعى!

جريمة اغتيال الحوار الموضوعى!

 العرب اليوم -

جريمة اغتيال الحوار الموضوعى

بقلم - عماد الدين أديب

حتى كتابة هذه السطور نحن - فى عالمنا العربى - لا نفهم، ولا ندرك، معايير التأييد أو النقد للحكم والحكومات.

لدينا مفهوم مؤلم، خاطئ، متوارث عن «المؤيد» و«المعارض»!

نرى المؤيد على أنه منافق، متزلف، باع نفسه لشيطان السلطة، وبريق مكاسبها.

نرى المعارض على أنه عميل، خائن، يتجنى كذباً على السلطة المعصومة عن أى خطأ!

الحقيقة ليس كل مؤيد منافقاً، وليس كل معارض خائناً!

والتعريف الموضوعى للحوار هو مراجعة الكلام والمنطق والمخاطبة والمراجعة.

والتعريف اللغوى للحوار هو الكلام المتبادل بين طرفين مع تقديم الأدلة المقنعة من أجل تقريب وجهات النظر بينهما، وذُكرت كلمة حوار فى القرآن الكريم: «وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا».

وإذا كان خالق الأكوان، الله سبحانه وتعالى صاحب القوة المطلقة، مدبر كل شىء فى الحياة، قبل القبل وبعد البعد، قد سمح لإبليس أن يحاوره، فكيف يقوم الطغاة بقتل أو صلب أو تعذيب أو اعتقال من حاورهم برأى مخالف؟؟

من هنا الحوار وسيلة لا بديل عنها للتفاهم أو الاختلاف، ومن هنا يأتى الحق المطلق فى التأييد أو المعارضة.

وللحوار آداب وقواعد، أولها قاعدة جوهرية مبدئية لا بديل عنها، وهى أنه لا يوجد طرف واحد، كائناً من كان، يمتلك وحده دون سواه الصواب المطلق.

ومن آداب الحوار الإيمان الكامل بأن الاختلاف من سنن الحياة، لذلك لا يجب الاغتيال المعنوى لشخص أو فكرة من يخالفك الرأى.

من حقك أن تقول ما تريد، ومن حق غيرك أيضاً أن يؤيد أو يعارض ما قلت.

ويبقى السؤال الكبير: لماذا نتحاور؟ يقول جوزيف جوبرت: «الهدف من الحوار والجدال مع الآخرين ليس تحقيق النصر عليهم وهزيمتهم ولكن من أجل دفعنا إلى التقدم».

نفعل ذلك وننسى أن من يعارض الطرف ألف من موقع التأييد هو يعارضه، ومن يؤيد الطرف باء هو يعارض غيره!

السؤال الجوهرى الحاكم فى تقدير هذه المسألة هو: هل من يؤيد أو يعارض يبنى موقفه على «شخص» المسئول أم على «مضمون» قراره؟

بمعنى آخر: هل حينما أؤيد أرى أن فلاناً معصوم عن الخطأ، كفء، موفق، مبدع، مخلص فى كل ما يفعل؟ وهل حينما أعارض أرى أن فلاناً دائماً: مخطئ، مغرض، فاشل، مراوغ، مخادع، فاسد؟

إنها معضلة التقديس الدائم أو الشيطنة الأبدية للحاكم؟

نفعل ذلك ولدينا ازدواجية المعايير، ونعطى أنفسنا الامتياز الحصرى لتقديس من نحب وشيطنة من نكره!

أى مسئول منذ بدء ظهور أنظمة الحكم حتى قيام الساعة، فى أى زمان ومكان، يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً، ولا يوجد من خير مطلق أو شر مطلق، ففى البداية والنهاية صانع أى قرار هو إنسان، بشر، يُصدر قراره بناء على قيم معينة، ومبادئ مكتسبة ومصالح عامة، ودوافع خاصة كلها تتفاعل فى ظل معطيات موضوعية كى تكوّن قراره النهائى.

لذلك حينما نؤيد أو ننتقد علينا ألا نخجل من التأييد للمسئول إذا أصاب، ولا نخشى أن نصوِّب له القرار إذا أخطأ.

المؤيد على الدوام منافق، والمنتقد دائماً عدمى مخرب.

فى الحالتين، التقديس أو الشيطنة، يكون صاحب الرأى قد باع ضميره للشيطان!

الكراهية لبعض الحكام تنال ممن يؤيده، والتقديس للبعض الآخر ينال أيضاً ممن ينتقدهم!

ووسط هذه المهزلة الفكرية والأزمة الأخلاقية يصبح الجدل السياسى فى عالمنا العربى هو مسألة مصالح «مع» أو مصالح «ضد»، أى ثأر شخصى وثأر مضاد، ولا يدفع ثمن ذلك الجنون كله سوى الرأى العام.

ولأن غالبية أى رأى عام ليست من النخبة المثقفة المتعلمة العميقة الجذور التى تمتلك بوصلة سليمة لتقدير الأشخاص، والقرارات والمعايير، يصاب الناس بحالة من التشويش والارتباك والبلبلة.

أخطر ما يواجه أى رأى عام هو أن يفقد الثقة فى كل شىء، المؤيد والمعارض، الحاكم والمحكوم، ويضيع منه معيار الصواب والخطأ.

لذلك كله علينا أن ندفع فاتورة اغتيالنا المتعمد لمنهج الحوار الموضوعى!

يا للهول!

arabstoday

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة اغتيال الحوار الموضوعى جريمة اغتيال الحوار الموضوعى



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ضربات أمريكية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية

GMT 15:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الأهلى القطرى يعلن تجديد عقد الألمانى دراكسلر حتى 2028

GMT 14:49 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الاحتلال يقتحم عدة بلدات في القدس المحتلة

GMT 02:00 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

حرائق ضخمة في لوس أنجلوس تجبر الآلاف على إخلاء منازلهم

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

"الخارجية الفلسطينية" تدين جريمة الاحتلال فى جنوب شرق طوباس

GMT 17:23 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هيا الشعيبي تسخر من جامعة مصرية والشيخة عفراء آل مكتوم ترد

GMT 10:42 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

رامي صبري يتحدث عن إمكانية تقديمه أغاني خليجية

GMT 23:27 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زوجة رامي صبري تبدي رأيها في أغنية فعلاً مبيتنسيش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab