على مقهى شعبى فى حى عابدين، وبينما كنت أرتاح من حرارة الشمس بكوب ليمون مثلج اقترب منى رجل عملاق، مفتول العضلات يرتدى تى شيرت أسود ملتصق بجسده يبرز قواه الجسدية بشكل لافت، وقال: ممكن خمس دقايق من وقتك يا أستاذ؟
تأملته جيداً وأدركت أننى لست فى وضع يتيح لى حتى التفكير فى سؤاله، فأجبته على الفور: «اتفضل.. اتفضل» ودار بيننا الحوار التالى:
العملاق: يا باشا إحنا لا مؤاخذة كده زعلانين من الداخلية!
العبدلله: ليه خير إن شاء الله؟
العملاق: حالنا واقف اليومين دول بسببهم.
العبدلله: مش فاهم؟
العملاق: بعد يناير 2011 انفتحت أبواب الرزق قدامنا.
العبدلله: إزاى؟
العملاق: ما كانش فيه أمن فى الشوارع، وإحنا كنا اللى بنظبط الدنيا.
العبدلله: إنتم مين؟
العملاق: «مستغرباً» كلك نظر يا أستاذ إحنا «الجدعان» اللى بنحل المشاكل وبنحمى الناس.
العبدلله: تقصد الفتوات؟!
العملاق: بس ما تقولش فتوات، إحنا جدعان مصر!
العبدلله: تسمية فتوات مش جريمة، ده الأستاذ نجيب محفوظ كان الأبطال الجدعان عنده فى رواياته من الفتوات.
العملاق: أنا ماليش دعوة بعم نجيب بتاعك ده، إحنا دلوقتى حالنا اتوقف!
العبدلله: إزاى اشرح لى؟
العملاق: الداخلية أصبحت «مسيطرة» مية مية على الشوارع يا أستاذ، الكماين فى كل حتة والعربيات بتاعة الشرطة الجوالة فى كل مكان.
العبدلله: يعنى مفيش شغل؟
العملاق: فين أيام ما بعد ثورة يناير كان الزباين منا فى القهوة واقفين بالدور علشان يقابلونى علشان أخدمهم.
العبدلله: أى خدمات؟
العملاق: ياه.. كتير قوى يا أستاذ، خد عندك، واحد عربيته مسروقة، والتانى ابنه اتخطف، والتالت عاوز حد يحرسه، والرابع عاوز حماية لمكتبه، والخامس خايف من العمال فى مصنعه.
العبدلله: ده شغل كتير فعلاً.
العملاق: لكن الأهم من ده هو شغلنا الخاص.
العبدلله: خاص؟ يعنى إيه؟
العملاق: كنا بنقف على تقاطع الطرق الدائرية وعلى محاور الكبارى والطرق السريعة و«نثبت» أصحاب العربيات الفخمة.
العبدلله: « تثبت» يعنى إيه؟
العملاق: عيب عليك ياأستاذ، ده إنت ابن بلد وعارف يعنى إيه «تثبت».
العبدلله: يعنى سرقة بالإكراه؟
العملاق: «غاضباً» أعوذ بالله يا أستاذ اللى يثبت حرامى ما يبقاش حرامى!
العبدلله: وبتعرف منين إنه حرامى؟
العملاق: اللى بيركب عربية فوق مليون جنيه بالتأكيد يبقى حرامى يا أستاذ!
العبدلله: وإنت عاوز إيه من الداخلية دلوقتى؟
العملاق: مش لازم يقفلوا علينا فى كل المناطق! يسيبلونا كوبرى أو طريق دائرى ولو يوم فى الأسبوع!
العبدلله: إنت شارب حاجة يا راجل إنت؟
العملاق: أيوة سحلب!
العبدلله: انسى الخزعبلات دى وشوفلك شغلانة شريفة!
العملاق: يعنى «زمن التثبيت الجميل» خلاص انتهى؟!
العبدلله: أيوه انتهى!
«وانتهى الحوار»