أكثر من يدرك خطورة وتكلفة الحروب على الأوطان هم الجنرالات.
ومسئولية أى سياسى هى أن يجعل أى عمل عسكرى هو آخر ما يضطر إلى اللجوء إليه.
وأى دبلوماسى يشغل أدنى منصب فى السلك الدبلوماسى يدرك أن اللجوء للحرب يعنى استنفاد كل وسائل التفاوض الدبلوماسى.
ويدرك أى قارئ للتاريخ أن كل الحروب فى النهاية انتهت إلى مفاوضات بين أطراف إلا إذا كانت حرب إذعان وهزيمة عسكرية كاسحة، مثل ما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان عقب استخدام واشنطن للقنبلة النووية فى هيروشيما وناجازاكى.
لذلك يجب أن نفهم حرص العسكريين على عدم دق طبول الحرب إلا عند الضرورة القصوى، لأنها عمل يؤدى إلى خسائر فى الأرواح وهو ما لا يقدر بثمن، ويؤدى إلى فاتورة تكاليف مذهلة.
الحرب تعنى التعبئة العامة، فإذا ما وصلت هذه التعبئة إلى المستوى الأعلى وانطلقت الرصاصة الأولى، فإننا نتحدث عن كلفة وقود للسيارات، وقطع غيار للمركبات، وتأمين خطوط إمداد وتموين، وتكاليف إعاشة، وكلفة ذخيرة تبدأ من الرصاصة ذات الحجم الأدنى إلى الصاروخ الباليستى!
ويدخل فى كلفة العمليات العسكرية تجهيز ممرات انطلاق الطيران، وكلفة تجهيز الطائرات المقاتلة بالوقود الخاص وحمولة الذخيرة، وكلفة طائرات النقل العملاقة.
هذا «بعض» من «كل» كلفة العمليات العسكرية التى قد تكون محاولة استدراج القدرة العسكرية لدولة ما، كى تبعدها عن معركتها الأولى والأصلية، مثلما حدث مع التدخل المصرى فى حرب اليمن الذى كان أحد أسباب نكسة 1967.
لكل ما سبق علينا أن نفهم هول المسئولية السياسية والأخلاقية التى يتحملها كل من يقرر إرسال قوات جيشه خارج الوطن.
ومن هنا أيضاً يمكن أن نفهم المحاذير التى يضعها الرئيس السيسى بوصفه رئيساً للجمهورية وقائداً أعلى للقوات المسلحة المصرية.
وخبرة الرئيس السيسى فى مجال خدمته العسكرية، وفى سلاح المخابرات العسكرية بالتحديد، تجعله يتعامل مع هذا الملف ولديه تراكم حقيقى من الخبرة.
إن أهم ما فى علم المخابرات العسكرية والاستطلاع هو القدرة على توفير المعلومات الدقيقة التى تؤدى إلى التوصل إلى تقدير موقف سليم فى مسائل الحرب أو السلام.
لذلك كله أدعو بعض «جنرالات المقاهى» الذين يصدرون فتاوى عسكرية وهم بلا أى خبرة إلى أن يقدروا دقة الموقف الدولى، وأبعاد الرؤية الاستراتيجية المعقدة التى تتحكم فى الصراع العسكرى المجنون الدائر الآن فى سوريا.
ولعل أخطر ما يغيب عن بال البعض أن الشىء الوحيد الذى تتفق عليه كل من موسكو وواشنطن فى الصراع السورى هو رفضهما أى عمليات تدخل برية فى الصراع الآن.
«بوتين» لا يريد تدخلاً برياً يفسد له أجواء انتصاراته، و«أوباما» لا يريد أن يتورط فى قيادة أعمال عسكرية برية تفسد له سياسة الاكتفاء بالقتال من الجو.