عذراً  فالأرض لا تدور

عذراً ... فالأرض لا تدور

عذراً ... فالأرض لا تدور

 العرب اليوم -

عذراً  فالأرض لا تدور

عريب الرنتاوي

ليس المهم في حديث الداعية السعودي «بندر الخيبري» نفيه دوران الأرض حول الشمس، ولا إنكاره لوصول الإنسان للقمر، الأهم في حديثه الذي أدلى به مؤخراً في الشارقة، وشغل مواقع التواصل الاجتماعي، تلك الأدلة «الشرعية» و»العقلية» التي ساقها للبرهنة على أطروحته (لا فُضّ فوه)، وبصورة تستفز الرغبة في المقارنة بين حالنا وحال «مؤسستنا الدينية» في مفتتح القرن الحادي والعشرين، وما كانت عليه حال الكنيسة الكاثوليكية قبل أزيد من أربعمائة عام حين تصدت لأفكار كوبرنيكوس وجاليليو، وبصورة يصح معها القول – من أسفٍ- أن هذه القرون الأربعة، تمثل من دون ريب، «الفجوة الحضارية» بيننا وبين الغرب.
«الخيبري»، لم يترك آية كريمة أو حديثاً -صحيحا أكان  أم غير صحيح- إلا وطوعهما للبرهنة على ما ليس بحاجة إلى برهان ... لكنه وهو القائل إننا معشر المسلمين أصحاب «علوم شرعية وعقول»، لم يكتف بما فاضت به «علومه الشرعية» ولم يستند فقط، إلى ما قاله شيخاه الجليلان: صالح الفوزان وعبد العزيز بن باز في شأن دوران الشمس حول الأرض ... بل قرر المجازفة بدخول فضاءات علوم الفلك والفيزياء الدقيقة ... فإذا كان الأرض تدور، كيف يمكن لمسافر من الشارقة إلى الصين أن يصلها، إذا اتخذ دورن الأرض ذات الاتجاه الذي تسلكه الطائرة؟ يتساءل الداعية بكثير من اليقين والإحساس بـ «الإفحام»!!
ولم يتردد «العالم الجليل» عن الاستعانة بكوب بلاستيكي صغير من الماء، يجسد الأرض لتوضيع الشواهد «العلمية» الدامغة التي حشدها لإثبات «ثبات» الأرض ... فالطائرة المتجهة من الشارقة إلى الصين -وهو يصر على الشارقة لأنه تحدث من هناك، وكان يمكن أن تكون عمان أو الرياض أو القاهرة أو أي مكان آخر-، لو تمكنت من التوقف الكلي وهي على مسار رحلتها الى الصين، أما كانت دولة المليار ونصف المليار إنسان، هي التي ستأتي للطائرة، بدل أن تذهب الطائرة إليها وتحط في أحد مطاراتها؟
 أسئلة مفاجئة تأخذك على حين غرة، لم تخطر ببال العلم والعلماء منذ زمن «بطليموس» وحتى يومنا هذا. حقاً أننا قوم لدينا ما يكفي من العلوم والعقول كما يؤكد داعيتنا، أطال الله في عمره ونفع الإنسانية جمعاء بعلمه.
ويصل رجلنا في مداخلته إلى «الذروة الدرامية» حين يتساءل بكثير من الإحساس بالزهو: لو كانت الأرض تدور، فكيف يمكن لـ «البيت المعمور» أن يقع فوق الكعبة على الأرض من السماء السابعة؟!!
 أليس من الممكن أن يسقط في البحر أو المحيط أو في أي مكان آخر؟ ... دهشت في الحقيقة وأنا استمع للعلامة «الخيبري» كيف غابت عن أذهاننا مثل هذه الأسئلة والتساؤلات الذكية، وشعرت أنني قليل الحظ من علومه الشرعية والعقلية، وهيهات أن يكفي ما تبقى من سنوات العمر للحاق به والإبحار في علمه وعوالمه.
وكم شعرت بالصدمة والاستغفال حقاً، لأنني كنت من بين مليارات الجهلة والساذجين الذين صدقوا أن المركبة «أبولو» ورائد الفضاء «نيل أرمسترونج» وصحبه، والعربيين سلطان بن سلمان ومحمد فارس، قد بلغوا القمر، وأن أقدامهم قد وطأت جباله ووديانه ... فتلك أسطورة كاذبة، نُسجت فصولها بذكاء وحرفية، في استوديوهات «هوليوود» لعنها الله، لكنني -والحمد الله- ومن باب (رب ضارة نافعة) أصبحت أدرك الآن، معنى تحريم السينما والمسرح والمسلسلات والتصوير والموسيقى والغناء والفنون، لأنها (بدعة)، وكل بدعة ضلالة، ولقد كنت ضالاً إلى أن هداني الله بعد الاستماع بشغف لخطبة الداعية، فجزاه الله عني وعن المستمعين والمشاهدين كل خير.
قبل أكثر من أربعة قرون، كانت روما الكاثوليكية، مسرحاً لجدل مشابه، أبطاله البابوات ورجال الدين المسيحي من جهة والعلماء من أمثال «جاليليو» ومن قبل «كوبرنيكوس» من جهة ثانية ... الكنيسة بدورها، تسلَّحت بـ «علومها الشرعية والعقلية»، استنجدت بآياتها وشواهدها الإنجيلية، وبفلاسفة اليونان القدماء من بطليموس إلى أرسطو، للبرهنة على أن الأرض ثابتة، وأن الشمس هي من يدور حولها، واجه «جاليليو» الاتهامات بـ «الهرطقة» وتعرض للسجن وأُجبر على الاعتذار عن اكتشافاته، وكاد أن يحرق كما حرق طيارنا الشهيد «معاذ الكساسبة» ... ولم تشفع لكوبرنيكوس «رهبنته»، فقد عانى بدوره ما عانى من محاولات التضييق والاتهامات بـ «المروق» و»الزندقة».
لكأني بالشيخ الخيبري يعيد الاعتبار اليوم، للكنيسة الكاثوليكية القديمة، وباباوات عصور الظلام ... لا سيما أن الكنيسة تراجعت عن مواقفها و»اعتذرت» للعالمين (الهرطوقي والزنديق)، فأقامت نصباً (صنماً) لـ»جاليليو» في الفاتيكان مؤخراً، وأعادت دفن رفات «كوبرنيكوس» في كاتدرائية فرمبورك إكراماً له، من دون أن تعي بأن الأصنام والأضرحة شرك صريح، تستوجب الهدم و»المسح عن سطح الأرض»، تماماً مثلما فعل أصدقاء الشيخ وتلاميذه بمراقد الأئمة والأنبياء والفلاسفة والشعراء وتماثيل باميان، حتى وإن اقتضى الأمر، تسيير أسطول من السيارات المفخخة والتضحية بعشرات الاستشهاديين والانغماسيين.

arabstoday

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 06:24 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 06:22 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 06:21 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 06:18 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 06:17 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

محفوظ والعقاد في عيون فيفي وشكوكو

GMT 06:16 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 06:14 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

معركة مصالح دولية وإقليمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عذراً  فالأرض لا تدور عذراً  فالأرض لا تدور



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان
 العرب اليوم - يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab