عريب الرنتاوي
قبل بضعة أيام، سجّل السيد حسن نصر الله إطلالة شخصية نادرة على أنصاره وحلفائه عبر أحد المجالس العاشورائية في الضاحية الجنوبية ... وفي محاولة لطمأنتهم وتبديد أية مخاوف يمكن أن تكون قد تسربت إليهم جراء التقارب الإيراني – الغربي، أعلن قائلاً: "إذا حصل التفاهم الايراني الدولي فإن فريقنا سيكون اقوى محليا واقليميا ودوليا... من يعتقد ان إيران ستتخلى عن حزب الله يعيش أضغاث أحلام. لم تبعنا يوما أي من حليفتينا الوحيدتين إيران وسورية".
لا يساورنا الشك أبداً حول ما قاله السيد نصر الله، وشواهد "التاريخ الجاري" تدعم ما ذهب إليه من تقديرات وما عوّل عليه من رهانات ... لكن السؤال الأهم، الذي لم يطرحه زعيم المقاومة اللبنانية، وبالطبع لم يجب عليه أو يتطرق إليه تصريحاً أو تلميحاً هو: في أي اتجاه سيصب الدعم الإيراني للحزب وحلفائه، في اتجاه "المقاومة والممانعة"، أم في سياق إعادة تأهيل الحزب للاندماج في الدولة اللبنانية ممثلاً لشريحة واسعة من "شيعة لبنان، ووفقاً لمقتضيات الاندماج الإيراني في المجتمع الدولي، وسعى طهران لإعادة التأهل لإنجاز هذا الاندماج؟.
ليس اتهاماً ولا تشكيكاً، بيد أنها قضية تضغط على العقل والتفكير ... فإيران السائرة على طريق "التطبيع" مع الولايات المتحدة والغرب، تدرك تمام الإدراك، أن موقفها المعادي لإسرائيل، لا يقل خطورة من منظور السياسة الغربية عن "برنامجها النووي"، وأن الشرط المضمر، والذي سيعلن لاحقاً وقريباً، بل وسيجري رفعه إلى مستوى "الشرط المُتمم"، حتى لا نقول "الشرط المسبق" لإتمام إعادة التأهيل والاندماج، هو شرط "التهدئة/ الهدنة" مع إسرائيل، إن تعذر الصلح والتفاوض والاعتراف والتطبيع مع الدولة العبرية.
هل يتوقع السيد نصر الله، أن تواصل إيران تقاربها مع الغرب، وأن تجني ثمار هذا التقارب برفع العقوبات والحصار، واستئناف التبادل الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي، وهي ترفع في الوقت ذاته، رايات العداء لإسرائيل، وتنسب لنفسها أمر قيادة ورعاية "معسكر المقاومة والممانعة"؟ ... هل يمكن أن لإيران أن تصدر النفط إلى العالم بيد، وان تدعم باليد الأخرى،حزب الله وحماس والجهاد، بالمال والسلاح والخبرات والتدريب لمقاومة إسرائيل وإنهاء احتلالاتها، حتى لا نقول مسحها عن خرائط الشرق الأوسط؟
لقد أدركت طهران – روحاني، أهمية "المسألة الإسرائيلية/ اليهودية" في فكر الغرب واستراتيجياته، ومن منطلق هذا الإدراك بالذات، سارع الرئيس الإيراني الجديد، إلى إحداث تغيير جوهري، أقله في اللغة والخطاب حيال اليهود و"الهولوكوست"، مبدداً إرث سلفه أحمدي نجاد المثير للنقد والجدل والاستياء في الغرب، ولم نسمع من روحاني منذ توليه مقاليد سلطته الجديدة، حديثاً عن الشياطين الكبرى والصغرى، أو زوال إسرائيل وتدميرها، كما لم نسمع منه أو نقرأ له، "سرداّ" عن عظمة المقاومة وقدسية الممانعة، أقله حتى الآن.
حزب الله، سيظل "ذخراً" استراتيجياً لإيران، وهي لن تتخلى عنه في الحرب والسلم، كما فعلت في السابق، لكن حزب الله سيجد نفسه "متورطاً" في سياقات الإندماج الإيراني في المجتمع الدولي، وسيلحظ تباعاً كيف ستنعكس هذه السياقات على دوره وأدائه وأولوياته، على خطابه وممارساته، ولن تنتهي عملية دمج إيران من جديد في الأسرة الدولية، إلا ويصبح حزب الله في مكان آخر، غير المكان الذي يتموضع فيه الآن: أقرب إلى حزب سياسي، ممثل لشريحة واسعة من اللبنانيين، ليس بالضرورة متصالحاً مع إسرائيل، أو أقل عداءً لها على المستوى اللفظي والخطابة، بيد أن خطوطاً حمراء إيرانية سترتسم بموازاة "الخط الأزرق" وعلى امتداده، ستحول بين الحزب والمقاومة الفعلية "للكيان".
لن تكون بالطبع، عملية تحوّل سهلة أو سريعة، ولن يجري التنظير لها سياسياً أو فقهياً، الأرجح أن هذا الانتقال "الواقعي" سيتم بصورة متدرجة، وفيما سيكون بمقدور الحزب أن يحتفظ بخطابه، فإنه سيكون من الصعب عليه، الاحتفاظ بسلاحه ومقاومته.
وما ينطبق على إيران وعلاقات الحزب بها، ينطبق على سوريا كذلك، وتحالف الحزب مع نظامها ... فسوريا إن بلغت ضفاف الحل السياسي، فستخضع بدورها لعمليات أوسع وأعمق، من إعادة التأهيل والإدماج ... وسيكون لتطورات الأزمة السورية تأثيراً على الحزب، لا يقل عن تأثير التحوّلات الإيرانية عليه، والأرجح أننا سنشهد حركة دولية على "مسارين متلازمين"، الإيراني والسوري، وسيكون المسار اللبناني، مسار حزب الله وتحوّلاته اللاحقة، مساراً ثالثاً متوازياً في الاتجاه، وإن لم يكن متزامناً أو موازياً من حيث التوقيت.
أن يحتفي حزب الله، ومعه فصائل مقاومة بالتقارب الإيراني – الغربي، فهذا مفهوم تماماً ... وأن تسود مشاعر "الشماتة" بدول عربية وإقليمية ناصبت دمشق وطهران والضاحية، أشد مظاهر الاستهداف والعداء، فهذا منطقي ومفهوم أيضاً ... لكن نشوة الاحتفال المبكر بـ"النصر"، لا يجب أن تحجب طويلاً،الأسئلة الأكثر إلحاحية واستراتيجية، من النوع الذي سبق أن أثرناه.