عن «المثقف العضوي» من زاوية أخرى

عن «المثقف العضوي».. من زاوية أخرى

عن «المثقف العضوي».. من زاوية أخرى

 العرب اليوم -

عن «المثقف العضوي» من زاوية أخرى

بقلم- عريب الرنتاوي

(1)
لست أقصد بالمثقف العضوي ما ذهب إليه، الفيلسوف والمناضل الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي، عن المثقف المرتبط عضوياً بـ»طبقته الاجتماعية»، العامل على خلق تجانسها الاجتماعي، والمفجّر لـ»وعيها بذاتها»...ما أقصده هنا بالذات، شيء مختلف، أتحدث عن «المثقف» الذي يتداعى بنيانه العضوي وينخر المرض عظامه وروحه، وهو يتابع مسلسل الهزائم المتتالية التي ألحقت بمشروعه الوطني والاجتماعي والثقافي، عن «المثقف» الذي يتقرر معدل «سكره التراكمي» ومستويات «ضغط الدم» في شرايينه، على إيقاع الأحداث الكارثية التي تحيق به وبشعبه وأمته (وطبقته) من كل حدب وصوب.
(2)
مذ أن غادرت الصحافة الحزبية (الفصائلية) وأنا أجهد في ترك «مسافة أمان» بين وقع الأحداث وإيقاعها، وحالتي النفسية والذهنية والعصبية، وجهدت عن سبق الترصد والإصرار، على إخراج نفسي من الميدان وأن اعتاد النظر للمشهد «من فوق»، من برج مراقبة...بذلت جهداً جهيداً لإبقاء رأسي بارداً وكذلك حواسي وأحاسيسي، لكي أكون «موضوعياً» قدر الإمكان، ولا أقول «محايداً»، فإنا أكره الحياد ولا اعترف به، ولطالما كنت منحازاً في النزاعات، من الخلاف البسيط بين صديق وزوجته، إلى النزاع بين صربيا وكوسوفو الذي وضع على سكة التسوية قبل أيام، شريطة «تطبيع» كلتا الدولتين لعلاقاتهما مع إسرائيل، ونقل (أو فتح) سفارتيهما إلى القدس.
أعترف أنني فشلت، برغم مرور ثلاثين عاماً على محاولاتي تلك...ما زالت نشرات الأخبار تستمطر نوبات الغضب والحزن والاكتئاب، فلحظات الفرح قليلة وأخبارها نادرة منذ زمن...وما زالت «مؤشراتي الحيوية»، أو «العضوية» حتى نظل في عوالم غرامشي، تتقلب بسرعة شديدة، على إيقاع التتابع القريب للأحداث والتطورات، المحمّلة بـ»الريح السموم» التي تهب عليك من البيت الأبيض ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.
لطالما اتهمت من قبل أوساط أكاديمية وبحثية بأنني «Provocative»، وأحياناً «Aggressive»، سيما حين يدور البحث في المسألة الفلسطينية...واعترف بأن مثل تلك الاتهامات كانت تحفزني دوماً لتكثيف عمليات «التبريد» المنهجي للعقل والانفعال، فلا أريد أن أخسر منبراً بسبب حرارة زائدة هنا، أو انفعال ظاهر هناك...لا شك أنها كانت تذكرني بحاجتي لـ»المسافة الآمنة»، لكنني أعترف بأنني فشلت فشلاً ذريعاً.
(3)
التطورات في المشهد الإقليمي، ساعدتني على التخفف بعض الشيء من بعض غلوائي، سيما بعد أن «ضربت التفاهة أطنابها»، وأفقدتك الإحساس بالحاجة للانحياز لهذا الفريق أو ذاك...فلماذا أحرق دمي دفاعاً عن حماس في مواجهة السلطة، والعكس صحيح، وما الذي يجبرني على الاختيار بين «الحوثي» و»هادي» و»الانتقالي»...ولماذا أزعج نفسي في الاختيارات بين سلطات لا يوجد أسوأ منها إلا لدى بعض معارضاتها.. لا شك أن ذلك كله، كان يساعدني على «خفض حرارة» الانفعال والتحليل، ويمدني بالعزم على الاحتفاظ بمسافة الأمان عن كل هذه الأطراف...لكن مع ذلك، تدهمك لحظات، تخرج فيها عن طورك، وتجد نفسك وقد عدت القهقرى لثلاثة عقود خلت.
(4)
موضوعان فشلت في اختبارهما فشلاً ذريعاً: المسألة الفلسطينية ومسألة الحريات والحقوق...هنا، لا مطرح للبرودة والتبريد، هنا الكتابة هي العلاج، و»الرقابة الذاتية» أو «غير الذاتية»، هي الداء و»سبب كل علة»...هنا، تعود وأنت في عقدك السابع، إلى ما كنت عليه وأنت في عقدك الثاني أو الثالث...هنا تنعدم المسافة بين الذات والموضوع...هنا وهنا بالذات، تصبح الكتابة فعلاً «عضوياً»، مصحوباً بنوبات من الأدرينالين والسكر وارتفاعات في ضغط الدم...هنا تستصغر حكاية الـ»Provocative» ، والـ «Aggressive»، هنا تتمنى لو أنك قادرٌ على قذف الحجارة في وجوه خصومك ومجادليك...هنا تتوقف لغة الكلام، وتستيقظ في دواخلك العميقة، لغة القتال والمعارك والحروب.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «المثقف العضوي» من زاوية أخرى عن «المثقف العضوي» من زاوية أخرى



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:30 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

إسرائيل تعتقل 40 فلسطينيا في الضفة الغربية

GMT 18:04 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب ولاية توكات شمال تركيا

GMT 02:31 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

سماع دوى انفجارات في أصفهان وسط إيران

GMT 06:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تحطم طائرة في إحدى أقاليم جنوب روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab