حروب الفصائل المتناسلة

حروب الفصائل المتناسلة

حروب الفصائل المتناسلة

 العرب اليوم -

حروب الفصائل المتناسلة

بقلم : عريب الرنتاوي

الحروب المتناسلة بين الفصائل المسلحة، لا تتوقف ولا تنتهي، ما ان تخرج من جولةٍ حتى تبدأ بأخرى، والضحية في كل الظروف والأحوال، هم المدنيون السوريون وتطلعاتهم وأشواقهم لمستقبل أفضل لبلدهم وأبنائهم وبناتهم.

ليست الخلافات الأيديولوجية والعقائدية وحدها هي المسؤولة عن “حروب الإخوة الأعداء” ... تعدد “المرجعيات الاستخبارية” وتكاثر أعداد “المشغلين” وتضارب أجنداتهم واختلاف أولوياتهم وتبدلها، هو الذي يقود غالباً إلى تكاثر الفصائل وتناسخها، واستتباعاً اتساع دائرة الحروب والصراعات فيما بينها.

أحدث هذه الجولات الدامية، ما يجري في ريفي حلب وإدلب، بين جبهة النصرة التي تحولت إلى جبهة فتح الشام، قبل أن تستقر على شكل “هيئة تحرير سوريا”، وحلفائها من الفصائل المنضوية تحت رايتها “الجهادية” من جهة، وبقية الفصائل المحسوبة على “الباب التركي العالي” من جهة ثانية، والذي ما أن بدأ استدارته الكبرى صوب موسكو، حتى بدأت خريطة الولاءات والتحالفات بالتبدل السريع والدرامي، المفضي إلى ما نشهده اليوم، من حروب موقعية طاحنة بين حلفاء الأمس.

شيئاً فشيئاً يكاد الفرز الرئيس بين الفصائل يأخذ طابعاً إخوانياً مدعوماً من تركيا، وسلفياً جهادياً، لم يعد يجد الكثير من الداعمين على مستوى الإقليم، بعد أن حمي وطيس الحرب على الإرهاب، وباتت النصرة عبئاً ثقيلاً على داعميها العرب والأتراك، بدل أن تكون ذخراً لهم في حروب الطوائف والمذاهب والمحاور التي انخرطوا فيها على امتداد الإقليم، ومن الرأس حتى أخمص القدمين.

أحرار الشام، المكونة من مزيج “إخواني الهوى” يناصر تركيا ويتبع استداراتها وتحولاتها، وفريق “سلفي جهادي”، لا تفصله عن النصرة سوى مسافة قصيرة للغاية (قفزة واحدة فقط)، وهو بطبعه وطبيعته ميّال للتحالف معها، ولم يبد حماسة لا لـ “درع الفرات” ولا لمسار “أستانا” ... الانشقاق الأخيرة في أحرار الشام، لم تكتمل فصوله بعد، وهو مرشح للتوسع والتشقق أكثر فأكثر كلما احتدم الصراع بين المدرستين والمرجعيتين، محلياً وإقليمياً.

لقد سقطت ورقة التوت عن عدد كبير من الفصائل التي جرى تسويقها بغلاف من “الاعتدال” ... اليوم، تعلن هذه الفصائل انخراطها مع النصرة في تنظيم واحد، وزعت قيادته بين النصرة والمنشقين عن احرار الشام، للنصرة عُقدت الراية العسكرية / الجهادية وأنيطت بـ “أبو محمد الجولاني”، أما الراية السياسية فكانت من نصيب شيخ الأحرار وقائدها السابق هاشم الشيخ (أبو جابر)، الذي سيدق المسمار الأخير في نعش الحركة التي لعبت أدواراً متزايدة على الساحة الشمالية والشمالية الغربية طول سنوات الأزمة السورية.

ولأن المنخرطين في حرب التصفيات الأخيرة بين الجماعات الجهادية، يمثلون الجسم الرئيس للفصائل الإسلامية المسلحة، فإن ثمة حالة من الوجوم والذهول تهيمن على رؤوس عدد واسع من أنصار هذه الفصائل، المعلنين والمضمرين، والذين طالما اجتهدوا في وصفها بفصائل “الثورة” و”المعارضة” و”الاعتدال” وغير ذلك، لذلك نراهم يطلقون صرخات الاستغاثة لتدارك ما يمكن تداركه، وقبل فوات الأوان.

مع أن أي مخلص للشعب السوري وحقه في تقرير مصيره واختيار نظامه بنفسه، وشق طريقه نحو الحرية والانعتاق، لا بد يردد دعاء” ضرب الظالمين بالظالمين” ... فهذه الفصائل لم تختطف الثورة السورية وتخرجها عن مسارها الصحيح فحسب، بل كانت رؤوس جسور لكل أجهزة الاستخبارات في العالم للتسلل إلى الداخل السوري، وكانت معاول هدم في بنية النسيج الاجتماعي السوري، وضربت وحدة الناس والمجتمع، وقدمت نماذج أسوأ في الحكم والإدارة والتسيير والتدبير، من تلك التي خبرها السوريون طوال سنوات ما بعد الاستقلال.

بوجود هكذا صنف من المعارضة المسلحة، سيشتاق السوريون حكماً لنظامهم القديم ... ومن يرى محمد علوش على طرف مائدة الأستانة، سيجتاحه الحنين إلى الدكتور بشار الجعفري ... فطينة علوش وجيش الإسلام، لا تختلف عن عجينة النصرة وأحرار الشام وجماعة زنكي وغيرها من الفصائل والصقور والجيوش والأولوية والكتائب والفيالق المتكاثرة كالنبت الشيطاني في التربة السورية.

حروب الإخوة الأعداء في الشمال السوري الغربي، تذكر بوضع أفغانستان عشية دخول طالبان إليها، متسللة من شقوق الصراعات الدامية بين مجاهدي “السي آي إيه” في تلك الأزمنة ... لكن مع فارق واحد، أن إعادة انتاج طالبان في سورية لا يبدو أمراً محتملاً، وعامل الوقت لا يلعب لصالحها، والمؤكد أن سياسة “الانتحار الذاتي الجماعي” التي تمارسها الفصائل ستُمكن الجيش السوري وحلفاؤه، من إنجاز المهمة بتكاليف أقل، وردود أفعال أكثر تفهماً.

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب الفصائل المتناسلة حروب الفصائل المتناسلة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 العرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab