تونس ستنتصر على الإرهاب

تونس ستنتصر على الإرهاب

تونس ستنتصر على الإرهاب

 العرب اليوم -

تونس ستنتصر على الإرهاب

عريب الرنتاوي

تختلف العملية الإرهابية في تونس عن غيرها من العمليات الإرهابية التي تجتاح المنطقة، من حيث دوافعها وأهدافها ومراميها ... في سوريا والعراق وإلى حد ما في اليمن وليبيا، بمقدور الإرهابيين الادعاء بأنهم يحاربون قوى وحكومات ديكتاتورية أو مذهبية أو جهوية ... تونس التي كانت أول الثورة، وأول الانتقال السلمي التوافقي للديمقراطية، «طلّقت» الديكتاتورية والاستبداد منذ رحيل زين العابدين بن علي ونظامه، والأهم أنها مجتمع متجانس من الناحية المذهبية، والتجربة التي تمر بها البلاد، أسهمت في صنعها مختلف مكونات البلاد السياسية والاجتماعية من دون قهر أو استبعاد أو تهميش.

العدوان البربري على تونس ليس له من تفسير سوى في مكنونات خطاب هذه القوى الظلامية، التي ترفض الحياة والعصر والحداثة، وتصر على إلحاق مجتمعاتنا بجاهلية القرون الوسطى، وتأبى إلا أن تفرض منطقها (لا منطقها) الخاص على شعوبنا ومجتمعاتنا، وبقوة الحديد والنار والأشلاء المتناثرة ... العدوان على تونس، هو عدوان مباشر، استهدف كل تونسي وتونسية وضع ورقة في صندوق اقتراع، أو خرج في مظاهرة أو مسيرة منددة بالاستبداد ومطالبة برحيل النظام المقبور، ومطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وقع الهجوم الإرهابي على قلب تونس، كان دامياً للغاية ... ليس لجهة الخسائر في الأرواح البريئة التي أزهقت فحسب، بل وفي كونه عدواناً على خيارات التونسيين واختياراتهم ... هجوم على تجربته الفذة في الانتقال التوافقي السلمي للحرية ... هجوم على رجال ونساء، ينشدون مستقبلاً أفضل لبلادهم، بعد أن دفعوا أفدح أثمان سنوات الاستبداد العجاف.

والحقيقة أن «التجربة التونسية» تستحق الدراسة والتأمل من مختلف جوانبها ... فمن هذا البلد الصغير، الذي كان سبّاقا في انتهاج طريق الحرية والديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية، خرجت أكبر الاعداد من الإرهابيين (بالمعنى النسبي للكلمة)، والإرهاب الذي يضربه، استمات في إيجاد موطئ قدم وملاذ آمن له في جبال الشعانبي من دون نجاح يذكر، بعد أن نجح الجيش التونسي، مدعوماً بالتفاف جماهيري واسع، في إلحاق الهزيمة به، فنزل إلى المدن والحواضر الكبرى، سعياً كعادة الجبناء، لاصطياد «أهداف رخوة» من نوع تلك التي استهدفها في العاصمة.

إن هذه الظواهر الشاذة، لا يمكن تفسيرها بمعزل عن الإرث المديد لنظام الفساد والاستبداد، وما خلفه من «تهميش» لمناطق وشرائح اجتماعية واسعة، لم تمتلك الثورة التونسية الوقت والموارد والإدارة المطلوبة لتجفيف منابع التطرف والغلو، وتصفية جيوب الإرهاب واجتثاثها، سيما بوجود جوار ملتهب وإقليم يغلي على مرجل الصراعات المذهبية وحروب الجماعات الإرهابية والحروب عليها.

قد ينجح الإرهابيون في الوصول إلى بعض من هذه الأهداف، فما من دولة على سطح هذه الأرض، تبدو محصنة في وجه الإرهاب ... وقد يجد هؤلاء في جوار تونس المضطرب، وتحديداً في ليبيا التي تتحول إلى ملاذ آمن لكل إرهابيي أفريقيا والمنطقة، منصة ينطلقون من عليها لضرب هذا البلد الشقيق في شريانه الاقتصادي المتمثل في قطاع السياحة ... لكن هيهات أن يجد الإرهابيون، بيئة حاضنة لهم، في بلد كتونس، شرّع أبوابه لرياح المشاركة والتغيير، وكان «قدوة» و»أنموذجاً» يشار لهما بالبنان.

وأحسب أن فيض ردود الأفعال العربية والإقليمية والدولية، الغاضبة والمنددة بالعملية الإجرامية، والداعمة لتونس دولة وشعباً وتجربة، هل أكبر دليل على المكانة المرموقة التي باتت تحتلها هذه البلاد في المنظومة العربية والأفريقية ... ولن تؤثر عمليات دموية كتلك التي أزهقت أرواح 22 سائحاً ومواطناً، على هذه المكانة، ولن تزيد التونسيين إلا اقتناعاً بصحة خياراتهم، وصوابية الطريق الذي انتهجوه.

حتى نحن المحاطون بالقتل اليومي، الفردي والجماعي، آلمنا ما حصل لتونس، وأغضبتنا الفعلة النكراء التي طالت الأبرياء من دون وجه حق، وغمرنا إحساس عميق بالتضامن مع البلد والشعب الشقيقين، الذي نحتفظ له بمشاعر الامتنان لريادته عملية الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي.

arabstoday

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 06:24 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 06:22 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 06:21 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 06:18 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 06:17 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

محفوظ والعقاد في عيون فيفي وشكوكو

GMT 06:16 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 06:14 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

معركة مصالح دولية وإقليمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس ستنتصر على الإرهاب تونس ستنتصر على الإرهاب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab