بقلم : أسامة غريب
الفهلوة بوجه عام هى سلوك حاكم فى البلدان المضغوطة اقتصاديًا، يتصارع الناس فيها على لقمة العيش بصور مختلفة. نفس الفهلوة المعروفة فى القاهرة بالأسواق وأماكن البيع والشراء، يمكنك أن تلتقى بها لو سافرت إلى سوريا أو الأردن أو لبنان أو المغرب مثلًا. فى كل هذه البلدان يوجد شعب طيب وأناس يتوقون إلى الحياة النظيفة، لكنهم فى سعيهم للبقاء على قيد الحياة يتحايلون على الدنيا ويقوم بعضهم بعمل شقلباظات لا مناص منها من أجل العودة آخر النهار بقروش لشراء الخبز والحليب للأطفال.
كنت فى عمان العاصمة الأردنية منذ أيام، وعندما حزمت الحقيبة فى الصباح الباكر معتزمًا التوجه إلى المطار من أجل العودة للقاهرة خرجت من الفندق فلقيت مجموعة من سيارات التاكسى على الناصية، تقدم منّى أحد السائقين سائلًا: إلى أين؟، قلت: إلى المطار، بدون كلام أخذ الحقيبة ووضعها فى شنطة السيارة الخلفية. كنت أجلس إلى جوار السائق وهو يشق طريقه بمنتهى الهمة على طريق المطار الذى يبعد حوالى 35 كيلو مترًا من وسط المدينة. سألته لماذا لا يشغّل العداد، فأجابنى بأن الأجرة موحدة ولا تحتاج إلى العداد. إجابته لم ترحنى لأننى معتاد فى القاهرة على إجابات من هذا النوع يقول لك صاحبها: «لن نختلف»، لكن ما يحدث دائمًا هو أننا نختلف!. لم أجادله واعتزمت أن أعطيه نفس ما دفعته للتاكسى الذى حملنى قبل أيام من المطار للفندق.
عندما لاحت أبنية المطار من بعيد وبدا أننا نقترب من الوصول فوجئت بأن السيارة تبطئ من سرعتها ثم تميل إلى جانب الطريق ويتوقف بها السائق، فى نفس الوقت الذى توقفت أمامنا سيارة أجرة أخرى. نزل السائقان وتبادلا السلام والتحية، ووجدت نفسى أنظر مدهوشًا لسائقى وهو يفتح صندوق السيارة ويُخرج حقيبتى. فى البداية لم أفهم ما يحدث وظننت للحظات أننى أتعرض لعملية سرقة، غير أن الحقيقة اتضحت عندما ترجلتُ من السيارة لأفاجأ بسائقى يحمل الحقيبة ويضعها فى الصندوق الخلفى للسيارة الأخرى قائلًا: هذا السائق سيكمل بك المسافة القليلة الباقية وأريد حسابى الآن.
بعصبية تلقائية رفضت الدفع وطلبت أن أفهم الحكاية، عرفت أن سائقى بسيارته ذات اللون الأبيض لا يستطيع دخول المطار بها، وأن السيارة الأخرى الصفراء مصرح لها بالدخول. أدركت أن سائقى لم يكن يتوجب عليه إركابى من الأساس لكنه هو وغيره يأخذون الراكب إلى ما قبل المطار بمسافة كيلو متر تقريبًا، وهناك يكون فى الانتظار سائق آخر يعمل على هذه المسافة المحدودة فقط حيث يتلقى الركاب من سائقى السيارات المخالفة ويأخذ ما فيه النصيب!. نفس الحركات «القرعة» الموجودة بالقاهرة يخترع مثلها «الشقيانين» فى عمّان ودمشق والدار البيضاء وتونس وبيروت وبغداد، أثناء مطاردتهم للقمة العيش المراوغة اللعوب!.