عسكرة المجتمع الروسي

عسكرة المجتمع الروسي

عسكرة المجتمع الروسي

 العرب اليوم -

عسكرة المجتمع الروسي

بقلم - أسامة غريب

أعتقد أن الجريمة الإرهابية التى وقعت داخل أحد المسارح فى موسكو، والتى راح ضحيتها ما يقرب من مائتين بخلاف الجرحى، ستترك أثرًا عنيفًا على السلوك الرسمى الروسى لفترة طويلة قادمة. ولن يتجلى هذا السلوك فى تكثيف الضربات نحو نظام كييف فقط، لكن الشدة سوف تشمل التوجه نحو عسكرة الدولة الروسية التى وجدت نفسها فى خضم حرب حقيقية يشنها الغرب الجماعى، لا تقتصر على جبهة القتال فى الشرق الأوكرانى، لكن أذرع الولايات المتحدة الأخطبوطية صارت تضرب السكان الروس وسط انخراطهم فى المجال المدنى اليومى الذى ظنوه آمنًا.

يدرك الروس اليوم أن الموضوع لا علاقة له بداعش أو القاعدة أو ما شابه من تنظيمات، فهذه وحدها أمرها هين ويسهل القضاء عليها. المشكلة تكمن فى الغرب الذى أنشأها لتنفيذ عمليات ضد خصوم الولايات المتحدة وإسرائيل. وأظن أن المفارقة شديدة الوضوح، إذ إن ملايين الفلسطينيين يتعرضون للذبح اليومى فى الأرض المحتلة، فى الوقت الذى لا تفكر فيه التنظيمات الدموية المنسوبة للإسلام فى حمل السلاح ضد إسرائيل مطلقًا.. ولهذا فإن الجرحى من هذه التنظيمات الذين سقطوا فى القتال فى سوريا كانوا يعالجون فى مستشفيات تل أبيب. كانت روسيا قبل حربها فى أوكرانيا تسعى للتكامل مع الغرب، لهذا فقد أهملت فكرة إنتاج كل شىء وتصنيع وزراعة كل شىء.

ولعل المفكر الروسى دوجين لم يكن مغاليًا عندما استنكر الحالة التى نكبت روسيا اعتبارًا من الثمانينيات والتسعينيات، حالة الرخاوة والطراوة والأنانية المستقاة من القيم الغربية التى تغلغلت فى المجتمع الروسى. لقد انهزمت روسيا وانكفأت بعد تفتت الاتحاد السوفيتى وصارت أسيرة تقليد النموذج الغربى الذى هزمها، وفى الحقيقة لم تجد النخبة الروسية مشكلة فى هذا، ولقد أرادت أن تشارك المستعمرين السيطرة على الدول الصغيرة، بالضبط مثلما أرادت ألمانيا أن تشارك بريطانيا وفرنسا كعكة المستعمرات فى بدايات القرن العشرين. ومثلما رفضت الدول الاستعمارية الأوروبية مشاركة الألمان فى «اليغمة»، فقد رفضت أيضًا رغبة الروس فى أن يصبحوا جزءًا من الغرب المهيمن على العالم. فى الحالة الأولى اندلعت حربان عالميتان لأن ألمانيا كانت متعجلة، ضيقة الصدر.. أما الروس فقد أعمتهم الرغبة فى الالتحاق بالغرب بفعل النخبة الخبيثة التى نمت فى زمن جورباتشوف ويلتسين، فنال منهم الخدر وانتظروا طويلًا إلى أن وجدوا حلف الناتو يطرق أبوابهم بقوة بعد أن استولى على كل حلفاء روسيا السابقين من دول أوروبا الشرقية، إلى جانب الكثير من الجمهوريات السوفيتية التى كانت عاصمتها جميعًا موسكو!

الفترة القادمة ستشهد بالتأكيد عسكرة المجتمع الروسى وإسدال الستار على كل مظاهر الليونة والميوعة فى المجتمع، ولسوف تتغير المناهج التعليمية والتوجهات الإعلامية والمسارات الحياتية للناس.. حتى الترفيه سوف يتغير، وسيتضمن جانبًا فكريًا يتغنى بأمجاد الماضى الروسى. ما هو قادم فى روسيا سيسعى إلى قطع الصلة ولو قسرًا بالثلاثين عامًا التى أعقبت الانهيار السوفيتى، مع العمل وفق المنظومة التعبوية التى حكمت الكرملين وقت محاربة النازى الذى عاد يطل برأسه بمنتهى الشراسة من جديد!.

arabstoday

GMT 01:11 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (10)

GMT 01:08 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

شعار حماية المدنيين

GMT 00:55 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

لعبة أميركية مفضلة

GMT 00:31 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

هذا ليس والدك

GMT 00:31 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

«إعلان البحرين»... والتفاؤل الواقعي

GMT 00:31 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

احذروا... آخر الحروب وأقساها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عسكرة المجتمع الروسي عسكرة المجتمع الروسي



الفساتين الطويلة اختيار مي عمر منذ بداية فصل الربيع وصولًا إلى الصيف

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 العرب اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 16:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت

GMT 16:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

اعتراض صاروخ أطلق من غزة باتجاه سديروت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab