هدية مرفوضة

هدية مرفوضة

هدية مرفوضة

 العرب اليوم -

هدية مرفوضة

بقلم : أسامة غريب

 

كتبتُ أحكى للقراء عن قصة حب فى بواكير الصبا كانت بطلتها نادية ابنة الجيران التى ذوّب قلبى زواجها وابتعادها بينما كنت أبنى لها قصورًا فى الخيال. وقد أرسل لى أحد القراء تعليقًا طريفًا قال فيه: أنت تعذبت قليلًا لأنك لم تتزوج نادية، وأنا تزوجتها فشقيت العمر كله!.

دفعنى هذا التعليق لتخيل فكرة أن يقوم زوج نادية بتركها طواعية وإهدائها لى لأعوض بها السعادة التى فاتنى تحقيقها.

قلت لنفسى: هذا رجل فقرى لا يقدر النعمة التى فى يده، ولا شك أنها لم تكن حبه الأول، وربما اختاروها له بالعقل دون أى عواطف، وحصوله السهل عليها لم يمنحه الفرصة ليفتقدها ويقاسى الويل فى غيابها.. والشوق لا يعرفه كما يقولون إلا من يكابده.

ومع ذلك طافت بخيالى فكرة أن هذا الرجل قد عرف نادية على نحو لم يتح لى، ورآها مئات المرات وهى صاحية من النوم بشعر منكوش، وشم رائحة الثوم فى ملابسها وهى بالمطبخ، وربما سمعها تتجشأ بعد وجبة دسمة، كما أنه قد دخل معها فى نقاشات حادة حول مصروف البيت وصعوبة المعيشة. الخلاصة أن الوهم بينهما قد سقط، ولهذا فلا يمكن أن يراها بنفس العين التى أراها بها. لكنى مع هذا قلت لنفسى ما الغريب فى كل ما فات؟ وهل يتلاشى الحب لأننا لم نجد المحبوب كائنًا نورانيًا شفافًا كما تخيلناه بعدما اتضح أنه إنسان مثلنا يأكل ويفرز العرق ويحتاج للحمّام؟!.. لكن رويدك.. من أدراك أنه ضجر منها لهذا السبب؟ ربما لديه أسباب تتعلق بطبعها.. كيف تتأكد أنها ليست أنانية؟ وهل أنت واثق من وقوفها معك فى وجه العواصف التى صادفتها فى حياتك؟.. يبدو أن الموقف معقد.. لكن ماذا أفعل؟ هل أقبل الهدية لتعويض حرمانى منها، أم آخذ العبرة من هذا الرجل وأؤثر السلامة؟.

فى الحقيقة أنه من الممكن أن أضرب صفحًا عن آثار الزمن وبصماته، عن التجاعيد التى ظهرت والقوام الذى ترهل، عن الفستان القصير الذى ذهب وحل محله الإسدال، عن الشعر الذى اختفى تحت الغطاء، لكن المشكلة تظل أعمق من ذلك.. المشكلة أن تجارب الحياة تفقد الإنسان شيئًا عزيزًا هو البراءة، وعليه فإن أى مظاهر للدهشة سأراها على وجهها ستكون متكلفة ومدعاة بعد أن قامت السنوات بالواجب وأرتها كل شىء!. ولا شك أننى سأفتقد ارتعاشة يد الأنثى عند اللمسة الأولى، كما لن أرى احمرار الوجه لدى سماع كلمة غزل، أو التألم عند سماع كلمة نابية، وربما تكون قد عرفت بالتجربة أهمية الكذب والالتواء ودورهما المهم فى استمرار الحياة، بخلاف أن الآلام والأحزان التى مرت بها تركت بالضرورة ندوبًا فى النفس أفقدتها الصفاء، هذا غير التلقائية التى رحلت بفعل الخبرة، والتشاؤم الذى حل بفضل ضربات الزمن، والأهم من كل هذا.. ذلك الوهم الجميل الذى يعيشه المحبون والذى لن أستطيع استحضاره معها.. صحيح هو وهم مؤقت يعيشه العشاق ثم يفيقون منه، لكنه مع ذلك أساسى لاحتمال وعثاء الطريق بعد ذلك.

أغلب الظن أننى سأرفض الهدية.

arabstoday

GMT 11:12 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

كما في العنوان

GMT 11:10 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

خيارات أخرى.. بعد لقاء ترامب - عبدالله الثاني

GMT 11:05 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

العودة للدولة ونهاية الميليشيات!

GMT 11:01 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

كويكب مخيف... وكوكب خائف

GMT 11:00 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

إيران: إما الحديث أو عدمه... هذا هو السؤال

GMT 10:59 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية

GMT 10:58 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

الاستعداد لمحن إعمار غزة

GMT 10:56 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

تحديات ورهانات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هدية مرفوضة هدية مرفوضة



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:15 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

غزة.. التي أصبحت محط أنظار العالم فجأة!

GMT 06:22 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»!

GMT 19:00 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

لبنان يحذر مواطنيه من عاصفة "آدم"

GMT 06:23 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»

GMT 01:14 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

الإفراج عن صحفي تونسي بارز من معارضي سعيد

GMT 01:46 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

انفجارات عديدة تهز العاصمة الأوكرانية كييف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab