بقلم - أسامة غريب
اليوتيوب كنز يزخر بالأعمال الفنية القديمة، وقد شاهدت من خلاله برنامجًا تليفزيونيًا أجرته المذيعة ليلى الأطرش مع بليغ حمدى عام 1993. فى هذا اللقاء تساءلت المذيعة عن لحن «حب إيه» الذى قدمه الملحن الشاب بليغ لأم كلثوم وهو فى الثالثة والعشرين من عمره. قال بليغ: لقد غنت أم كلثوم هذه الأغنية أول مرة فى 5 أكتوبر عام 1960، وبعدها بيومين كنت أحتفل بعيد ميلادى الثالث والعشرين!.
أدهشنى هذا الرد من بليغ، فإذا كانت المذيعة قد وصلتها المعلومة الخاطئة من معد البرنامج، أفلم يكن واجبًا على بليغ أن يصحح ويقول: لم يكن عمرى 23 سنة كما تقولين، لأننى مولود فى 7 أكتوبر 1931، وعند غناء الست للأغنية كنت فى التاسعة والعشرين من عمرى. لم يصحح بليغ، لكن أرسى عامدًا معلومة غير حقيقية، رغم أنها لا تضيف إليه شيئًا، فنحن نعرف قيمته بدون كذب!.
فى نفس الأسبوع استمعت إلى حوار إذاعى قديم مع الملحن زياد الطويل، عندما سأله المذيع عن ذكرياته التى يحب أن يحكيها للمستمعين مع الفنان عبد الحليم حافظ، وأهم المواقف الطريفة التى تختزنها ذاكرته مع العندليب عندما كان يزورهم بالمنزل للقاء والده الموسيقار الراحل كمال الطويل. أجاب زياد: عندما توفى عبد الحليم حافظ لم يكن عمرى يزيد عن 12 عامًا، وبالتالى لا أستطيع أن أزعم وجود ذكريات تربطنى به.
بقدر بساطة وتلقائية الإجابة من زياد الطويل، بقدر ما احترمته بشدة وقدّرت تماسكه النفسى وعدم انقياده للغواية التى كان يمكن أن تدعوه لاختلاق القصص وتأليف الروايات عن حوارات طويلة وأيام بلياليها قضاها فى صحبة حليم، وربما ادعى- كما فعل الكثيرون- أنه كان حاضرًا فى أغنية كذا، أو إنه قام بتعديل كلماتها أو اشترك مع والده فى تلحينها.
وكان عبد الحليم فى ذلك الوقت قد كثر بشأنه الأفاقون والغاوون للشهرة الكاذبة حين ادعوا صداقة حميمة ربطتهم به وذكريات مثيرة جمعتهم، لدرجة أن أحد الصحفيين نشر بمجلة روز اليوسف سلسلة من الحلقات حكى فيها قصة حبه الشخصية التى توازت فى نفس الوقت مع قصة حب عاشها عبد الحليم حافظ، وأفاض هذا فى رواية سهراته الليلية مع حليم يتبادلان الشكوى من تباريح الهوى، كل يحكى لصاحبه عن محبوبته ويبثه أشجانه، كذلك سفرياته للخارج معه إلى لندن وباريس فى سعيهما معًا للنسيان والفرار من الحب!. والغريب أن هذا الصحفى لم يشاهد عبد الحليم فى حياته إلا على الشاشة!.
لهذا فقد أعجبنى رد زياد الطويل الذى يبدو أن نشأته فى كنف والده العظيم جعلته يأخذ عنه الصدق والكبرياء والنفور من البطولات الزائفة. أما بليغ حمدى فإننى أعذره لأن هذا اللقاء كان قبيل وفاته وكانت صحته معتلة وظروفه النفسية ليست على ما يرام بعد أن قضى سنوات بعيدًا عن مصر، وربما أضافت المعلومة غير الدقيقة زادًا من الفخار كان فى حاجة إليه، رغم أنه بقيمته التى نعرفها لم يكن فى حاجة إليه!.