من أنت

من أنت؟

من أنت؟

 العرب اليوم -

من أنت

معتز بالله عبد الفتاح

حينما تتردد لحظة بين الخير والشر.. من تكون؟! أتكون الإنسان الخيّر أم الشرير أم ما بينهما أم تكون مجرد احتمال للفعل الذى لم يحدث بعد؟!

إن النفس لا تظهر منزلتها ولا تبدو حقيقتها إلا لحظة أن تستقر على اختيار، وتمضى فيه باقتناع وعمد وإصرار، وتتمادى فيه وتخلد إليه وتستريح وتجد ذاتها. ولهذا لا تؤخذ على الإنسان أفعال الطفولة، ولا ما يفعله الإنسان عن مرض أو عن جنون أو عن إكراه.. وإنما تبدأ النفس تكون محل محاسبة منذ رشدها، لأن بلوغها الرشد يبدأ معه ظهور المرتكزات والمحاور التى ستنمو عليها الشخصية الثابتة. واختيارات الإنسان فى خواتيم حياته هى أكثر ما يدل عليه، لأنه مع بلوغ الإنسان مرحلة الخواتيم يكون قد تم ترشح وتبلور جميع عناصر شخصيته، وتكون قد انتهت ذبذبتها إلى استقرار، وتكون بوصلة الإرادة قد أشارت إلى الطابع السائد لهذه الشخصية. ولهذا يقول أجدادنا: العبرة بالخواتيم.. وما يموت عليه العبد من أحوال وأعمال وما يشغله فى أيامه الأخيرة هو ما سوف يُبعث عليه.

وقد أعطى الله الإنسان مساحة كبيرة هائلة من المنازل والمراتب.. يختار منها علواً وسفلاً ما يشاء.. أعطاه معراجاً عجيباً يتحرك فيه صاعداً هابطاً بلا حدود.. ففى الطرف الصاعد من هذا المعراج تلطف وترق الطبائع، وتصفو المشارب والأخلاق حتى تضاهى الأخلاق الإلهية فى طرفها الأعلى (وذلك هو الجانب الروحى من تكوينه) وفى الطرف الهابط تكثف وتغلظ الرغبات والشهوات، وتتدنى الغرائز حتى تضاهى الحيوان فى بهيميته، ثم الجماد فى جموده وآليته وقصوره الذاتى.. ثم الشيطان فى ظلمته وسلبيته (وذلك هو الجانب الجسدى الطينى من التكوين الإنسانى). وبين معراج الروح صعوداً ومنازل الجسد والطين هبوطاً، تتذبذب النفس منذ ولادتها، فتتسامى من هنا وتتردى هناك بين أفعال السمو وأفعال الانحطاط، ثم تستقر على شاكلتها وحقيقتها. (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (84 - الإسراء) ومتى يبلغ الإنسان هذه المشاكلة والمضاهاة بين حقيقته وفعله فإنه يستقر ويتمادى، ويمضى فى اقتناع وإصرار على خيره أو شره حتى يبلغ نهاية أجله. ومعنى هذا أن النفس الإنسانية أو «الأنا» -وهى شىء غير الجسد- وهى ليست شيئاً معلوماً بل هى سر وحقيقة مكنونة لا يجلوها إلا الابتلاء، والاختبار بالمغريات. وما الجسد والروح إلا الكون الفسيح الذى تتحرك فيه تلك النفس علواً وهبوطاً بحثاً عن المنزلة التى تشاكلها وتضاهيها والبرج الذى يناسب سكناها فتسكنه.

يعلم سبحانه عن النفس وهى ما زالت حقيقة مكنونة لا حيلة لها فى العدم. وهذا العلم الربانى ليس علم إلزام ولا علم قهر، بل هو علم حصر وإحاطة، فالله بهذا العلم لا يجبر نفساً على شر، ولا ينهى نفساً عن خير، فهو يعلم حقائق هذه الأنفس على ما هى عليه دون تدخل. فإذا جاء ميقات الخلق (وجميع هذه الأنفس تطلب من الله أن يخلقها ويرحمها بإيجادها وهى ما زالت حقائق سالبة فى العدم) أعطى الله تلك النفس اليد والقدم واللسان لتضر وتنفع، وأعطاها ذلك الكون الفسيح الذى اسمه الروح والجسد لتمرح فيه صاعدة هابطة تختار من منازله ما يشاكلها لتسكن فيه.. فإذا سكنت واستقرت، وتسجلت أعمالها قبضها الله إليه يوم البعث والحساب المعلوم.. حيث تقرأ كل نفس كتابها، وتعلم منزلتها فلا يعود لأحد العذر فى أن يحتج بعد ذلك حينما يضعه الله فى مستقر الجنة أو مستقر النار الأبدية. وقد أعذر الله وأنذر الجميع من قبل ذلك بالرسل والكتب والآيات، وأقام عليهم الحجة بما وهب لهم من عقل وضمير وبصيرة وحواس تميز الضار من النافع والخبيث من الطيب.

هذا مقال رائع للمرحوم الدكتور مصطفى محمود.

arabstoday

GMT 09:07 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

قوس الحلول

GMT 09:06 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة أمام حماس

GMT 09:04 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

فراغ القوة فى سوريا.. نظرية تبعث من جديد

GMT 09:03 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

نكتة بوش ونصر غزة!

GMT 09:01 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

وصول عون للرئاسة ينعش لبنان والمنطقة

GMT 09:00 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

نار سوريا المرغوبة!

GMT 08:59 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام!

GMT 08:57 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

هبّت رياح ثورة «17 تشرين»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أنت من أنت



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 08:42 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

ذكريات يناير؟!

GMT 05:34 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

إيران وإسرائيل

GMT 14:03 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن

GMT 14:40 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الذهب يتراجع مع ترقب بيانات تضخم أميركية

GMT 14:37 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الجيش الإسرائيلي يصادر آلاف الأسلحة على طول الحدود السورية

GMT 14:43 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

"تسلا" تبدأ إنتاج الطراز "واي" المُحَدَّث في مصنعها بألمانيا

GMT 14:02 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الدفاع الروسية تكشف عن خسائر فادحة لنظام كييف على محور كورسك

GMT 07:09 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

إسرائيل لا تستطيع تحديد عدد الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم

GMT 14:39 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

"أوبك" تتوقع نمو الطلب على النفط بـ 1.43 مليون برميل يوميا في 2026

GMT 02:34 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

عشرات الشهداء بقصف عنيف على غزة عقب إعلان الاتفاق

GMT 02:37 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

انفجار يهز قاعدة عسكرية إسرائيلية في النقب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab