واسجد واقترب

واسجد واقترب

واسجد واقترب

 العرب اليوم -

واسجد واقترب

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

لا أكتب فى الدين أو تستهوينى الكتابات الدينية، لأننى متدين ولكن لاحتياجى للتدين. هى كتابة من قبيل حنين الإنسان لما يحب ويفقد.

قال الدكتور مصطفى محمود:

سألت نفسى عن أسعد لحظة عشتها..؟؟

ومـر بخاطرى شريط طويل من المَشاهِد..

لحظة رأيت أول قصة تُنشر لى، ولحظة تخرجت فى كلية الطب، ولحظة حصلت على جائزة الدولة فى الأدب..

ونشوة الحب الأول والسفر الأول والخروج إلى العالَم الكبير متجوِلاً بين ربوع غابات أفريقيا العذراء، وطائراً إلى ألمانيا وإيطاليا والنمسا وسويسرا وإنجلترا وفرنسا وأمريكا..

ولحظة قبضت أول ألف جنيه.. ولحظة وضعت أول لبنة فى المركز الإسلامى بالدقى..

استعرضت كل هذه المَشاهد وقلت فى سِرى.. لا.. ليست هذه..

بل هى لحظة أخرى ذات مساء من عشرين عاماً اختلط فيها الفرح بالدمع بالشكر بالبهجة بالحبور حينما سجَدتُ لله، فشعرت بأن كل شىء فى بدنى يسجد..

عظامى تسجد.. أحشائى تسجد.. عقلى يسجد.. ضميرى يسجد.. روحى تسجد..

حينما سَكَت داخلى القلق، وكَفَّ الاحتجاج، ورأيت الحكمة فى العذاب فارتضيته، ورأيت كل فعل الله خيراً وكل تصريفه عدلاً. وكل قضائه رحمة، وكل بلائه حباً..

لحظتها أحسست وأنا أسجد أننى أعود إلى وطنى الحقيقى الذى جئت منه وأدركت هويّتى وانتسابى وعرفت مَن أنا.. وأنه لا أنا.. بل هو.. ولا غيره..

انتهى الكِبر وتبخر العِناد وسَكَن التمرد وانجابت غشاوات الظلمة وكأنما كنت أختنق تحت الماء، ثم أخرجت رأسى فجأة من اللُجّة لأرى النور وأشاهد الدنيا وآخذ شهيقاً عميقاً وأتنفس بحرية وانطلاق.. وأى حرية.. وأى انطلاق..

يا إلهى.. لكأنما كنت مبعَداً منفيّاً.. مطروداً أو سجيناً مكبلاً معتقلاً فى الأصفاد، ثم فُكَ سجنى.. وكأنما كنت أدور كالدابة. على عينيها حجاب.ثم رُفِع الحجاب.

نعم.. لحظتها فقط تحررت.

نعم.. تلك كانت الحرية الحقّة.. حينما بلغت غاية العبودية لله.. وفككت عن يدى القيود التى تقيدنى بالدنيا وآلهتها المزَيفة.. المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغَلَبة والقوة..

وشعرت بأننى لم أعد محتاجاً لأحد ولا لشىء لأننى أصبحت فى كنَف مَلِك الملوك الذى يملك كل شىء.

كنت كفَرخ الطَير الذى عاد إلى حضن أمه..

كانت لحظة ولكن بطول الأبَد.. تأبدت فى الشعور وفى الوجدان وألقَت بظلِها على ما بقىَ من عمر ولكنها لم تتكرر..

فما أكثر ما سجدت بعد ذلك دون أن أبلغ هذا التَجَرُّد والخُلوص.. وما أكثر ما حاولت دون جدوى.. فما تأتى تلك اللحظات بجهد العبد.. بل بفضل الرب..

وإنما هو الذى يتقرب إلينا وهو الذى يتحبب إلينا.. وما نتعرف عليه إلا به.. وما نعبده لحظة تمام العِبادة إلا بمعونته.. وما ندخل عليه إلا بإذنه.. فهو العزيز المنيع الجناب الذى لا يُدخَل إليه بالدعاوَى والأقاويل.

ولقد عرفت آنذاك أن تلك هى السعادة الحقّة.. وتلك هى جنة الأرض.. التى لا يساويها أى كسب مادى أو معنوى.

يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام.. {واسجد واقترب} العَلَق - 19.

صدق الله العظيم..

وما كل ساجدٍ بمقترِب إلا إذا خلع النعلين.. فألقى بالدنيا وراءه، ثم ألقى بنفسه خلفها.. ودخل مسَلِّم القلب.. عارى المشاعر.. خاشع الفؤاد.. ساجد الأعضاء..

حينئذٍ يكون القرب.. وتكون السجدة.

ولَكَم أتمنى أن أعاوِد تلك السجدة... أو تعاودنى تلك السجدة..

ويتفضَل علىَّ الله بالقرب، ويأذن لى بالعبادة حق العبادة.. وأقول فى نفسى أحياناً.. لعلّى لم أعد أخلَع النعلين كما يجب، وكما يليق بجلال المقام الأسمَى..

ولعل الدنيا عادت، فأخذتنى فى دوامتها، وعاد الحجاب فانسدَل على العينين، وعادت البشرية، فناءت بثقلها وكثافتها على النفس الكليلة.. ولكنى لا أكُف عن الأمل.. وأسأل الله أن يشفع الأمل بالعمل.. سبحانه وَسِعَتْ رحمته كل شىء.

رحمة الله عليه.

من كتاب: السؤال الحائر

المصدر : صحيفة الوطن

arabstoday

GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واسجد واقترب واسجد واقترب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab