عاجل إلى الناقمين هل «السيسى» حالم

عاجل إلى الناقمين: هل «السيسى» حالم؟

عاجل إلى الناقمين: هل «السيسى» حالم؟

 العرب اليوم -

عاجل إلى الناقمين هل «السيسى» حالم

معتز بالله عبد الفتاح

بعض التعليقات التى أتابعها على خطب الرئيس «السيسى» تعطى انطباعاً بأن قطاعاً من المصريين فقدوا الأمل ويتعاملون مع ما يقدمه الرئيس من أفكار ووعود بمشروعات كبرى وكأنه حالم وأن العقبات أكبر من قدرة مصر على تخطيها.
وسأستعيد ما كتبته عن تجربة كوريا الجنوبية تحديداً فى رحلتها من التخلف إلى التنمية ومن الاستبداد إلى الديمقراطية وسأبدأ بهذا الاقتباس:
«هذا البلد لا مستقبل له. هذا البلد لن يتعافى حتى بعد مائة سنة».
«This country has no future. This country will not be restored even after a hundred years».
قائل هذه العبارة هو الجنرال الأمريكى دوجلاس ماك آرثر، قائد قوات الولايات المتحدة فى شرقى آسيا الذى هزم اليابانيين فى الحرب العالمية الثانية وأجبر إمبراطورها على توقيع معاهدة الاستسلام المهينة التى لم تزل أساس علاقة الولايات المتحدة باليابان حتى الآن. وهو كذلك، وهذا هو الأهم فى مقامنا هذا، قائد القوات الأمريكية التى حاربت بجوار كوريا الجنوبية الموالية للولايات المتحدة فى حربها مع كوريا الشمالية الموالية للاتحاد السوفيتى والصين الشيوعيتين.
ومناسبة قوله هذه العبارة هو حديثه عن مستقبل كوريا الجنوبية بعد 36 عاماً من الاحتلال اليابانى لها ثم حربها الضروس مع كوريا الشمالية التى خلفت بلداً أشبه بمجاهل أفريقيا الآن. ونبوءته هذه كانت مدعومة كذلك من شخص مثل Vengalil Menon رئيس البعثة الخاصة التى أرسلتها الأمم المتحدة إلى كوريا للإشراف على الهدنة. قال الرجل: «هذا بلد يعيش أهله فى القرون الوسطى.. كيف يمكن لزهرة أن تزدهر فى وسط مقلب قمامة».
الأفلام الوثائقية التى تسجل تلك الفترة فى تاريخ كوريا الجنوبية عادة ما تأتى بصور أطفال أقرب إلى هياكل عظمية متحركة، أمهات يبكين ويتحدثن بلغة غير مفهومة يختلط فيها البكاء والعويل، وأصوات صفارات إنذار من كل مكان، ودخان يتصاعد من بقايا أبنية محترقة أو منهارة.
وبعد ثلاثين عاماً، تشير الكتب المتخصصة فى التجربة الكورية الجنوبية إلى مقولات لأشخاص درسوا ما أصبحنا نسميه «المعجزة الكورية» ليقولوا: «إن كوريا صنعت أكبر طفرة تكنولوجية عرفها العالم الحديث». وهذه من مقولات Alvin Toffler، دارس المستقبليات الشهير. وعادة ما تستحضر الأفلام الوثائقية عن كوريا الحديثة صوراً لكوريا الحديثة بما فيها من كم مهول من العمارات الشاهقة والشوارع المنظمة والكبارى المتناسقة والمصانع المهولة التى تعمل فى كل المجالات: صناعة السفن حيث كوريا الجنوبية هى الأولى فى العالم، صناعة السيارات حيث كوريا الجنوبية الخامسة على العالم، صناعة التليفزيونات حيث كوريا الجنوبية الرابعة على العالم، صناعة التليفونات المحمولة حيث تنافس كوريا الجنوبية على المركز الثانى عالمياً، صناعة الكمبيوترات حيث هى السادسة على العالم.
الرحلة لم تكن سهلة
رحلة مليئة بالصراع السياسى الذى كان فى جانب منه شديد الشراسة وانتهى إلى حالة ديكتاتورية تنموية تحت قيادة الجنرال «بارك تشانج هى» الذى وصل إلى السلطة بعد انقلاب عسكرى أوقف به سلسلة من الاضطرابات السياسية الناتجة عن نخب مدنية تدّعى الديمقراطية ولكنها لا تعرف كيف تعيشها.
انقلاب عسكرى دموى ديكتاتورى تم فيه الحجر على جميع أشكال الديمقراطية من مظاهرات واعتصامات وحرية رأى وإعلام. الدولة كانت تتحكم حتى فى قَصّة شعر الطلاب وطول ملابس الفتيات. جملة أو حتى كلمة كانت كافية، وفقاً للدستور بعد تعديله، بأن تلقى بالمعارضين فى السجن. وهى كلها لا شك من سلبيات تلك الفترة.
وفى المقابل كان هناك تركيز شديد على التعليم الفنى والاستثمار فى البنية التحتية وعمل خطط خمسية من أجل بنية تحتية قوية وتم إنشاء لجنة خاصة لإدارة ملفات التخطيط والاستثمار والصناعة والتجارة تحت إشراف مباشر من رئيس الدولة. الخبراء الغربيون كانوا يعتبرون التجربة الكورية نوعاً من الحرث فى البحر. تم اغتيال «بارك تشانج هى» ولا يزل الجدل دائراً بشأنه فى كوريا الجنوبية: هل هو رئيس عظيم أحسن لبلاده، أم ديكتاتور مستبد أساء لمجتمعه.
التجربة على المستوى السياسى أنتجت مجتمعاً بلا ديمقراطية أو حريات ولكن على المستوى الاقتصادى - الاجتماعى به تصنيع وتعليم، أى أنه مجتمع بلا حقوق سياسية ولكن به مقومات نهضة اقتصادية. عانى جيل الستينات والسبعينات جداً جداً، ولكن خلف من خلفهم أبناء لعنوا القمع والاستبداد ولكنهم أحسنوا استثمار البنية الاقتصادية القوية التى وجدوها. بعد صراع مرير، حققوا التحول الديمقراطى. ولكنهم دفعوا ثمناً غالياً إلى أن كان المجتمع مستعداً لإنتاج شخصية مثل كيم دى يونج، الذى يعتبره الكثيرون نيلسون مانديلا الآسيوى، لتاريخه الطويل ضد الاستبداد. لقد اعتقل أربع مرات نال خلالها الكثير والكثير من أشكال التعذيب وخسر الانتخابات أربع مرات ومعظمها بالتزوير، وتعرض للاختطاف ومحاولات قتل خمس مرات على الأقل، وأجبر على الحياة فى المنفى لعدة سنوات ومع ذلك لم ييأس قط فى كفاحه من أجل الديمقراطية والتنمية داخل كوريا الجنوبية وللسلام والوحدة مع كوريا الشمالية.
وأخيراً فاز فى انتخابات عام 1997 ليواجه مأزقاً اقتصادياً وضع كوريا الجنوبية على شفا الإفلاس، حتى يعيد المجتمع والدولة إلى نقطة التوازن فيحدث نمو اقتصادى بلغ 10 بالمائة فى عام 1999، وذلك عقب سنة 1998 التى كان النمو فيها بالسلب (نحو 6 بالمائة) من خلال ترشيده لتدخل الدولة وإصراره على تطبيق قواعد الشفافية والمساءلة بكل صرامة مع التقليص المتدرج لدعم الدولة للقطاع الخاص.
والأهم من ذلك، أن الرجل عفا عن الزعماء السابقين وبعض معاونيهم الذين أساءوا إليه من أجل خلق ثقافة جديدة تقوم على التعاون والتعايش. وهى السياسة نفسها التى تبناها تجاه كوريا الشمالية وكُرِّم بسببها بجائزة نوبل فى عام 2000، وأصبح اسمه واحداً من كلاسيكيات الحكم الرشيد فى العالم، وهو ما تم اختباره حين قبل تماماً حكم القانون وإجراءاته عندما حوكم ابناه بتهمة تلقى رشوة وحكم عليهما دونما أى اعتبار لكونهما ابنى الرئيس. وتظل كوريا الجنوبية نموذجاً يحترمه دارسوها للدور البارز الذى لعبته قياداتها فى بنائها سياسياً واقتصادياً.
هذا ليس إلا مثال واحد لمن كانوا فى وضع أسوأ من وضعنا لكنهم نجحوا فى ما نحن مقبلون عليه. لذلك فلندع اليأس والإحباط جانباً ولنجتهد عسى الله أن يحدث بعد ذلك أمراً. وما ذلك على الله بعزيز.

arabstoday

GMT 06:31 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

هل «يتدمشق» الجولاني؟

GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشرع والعقبة

GMT 06:23 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جهود بحثية عربية لدراسات الطاقة

GMT 06:18 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دمشق والسير عكس المتوقع

GMT 06:15 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

شرق أوسط جديد حقًّا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل إلى الناقمين هل «السيسى» حالم عاجل إلى الناقمين هل «السيسى» حالم



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab