بقلم: كريمة كمال
تستيقظ هى فى السادسة صباحًا، بينما يغط هو فى نوم عميق حتى التاسعة.. من السادسة حتى التاسعة تحضر الإفطار لأبنائها الأربعة وتشرف على ارتدائهم لملابسهم وتساعد الصغار وتحضر لهم حقائبهم وتودع الكبار، بينما تصطحب الصغار لركوب الأتوبيس والنزول عند المدرسة؛ الولد الصغير أولًا ثم البنت، ثم تعود للغرفة الضيقة التى يقيمون فيها كعائلة بواب العمارة وتحضر له الإفطار وتوقظه ليتناول إفطاره ليجلس أمام البوابة ليدخن فى استمتاع مع كوب الشاى الذى أعدته له.. ثم تقوم بترتيب الغرفة ثم إعداد الطعام حتى يجدوه جاهزًا عند عودتهم من مدارسهم، أما هى فتأخذ إفطارها فى حقيبتها وتذهب إلى «بيت الشغل» حيث تقوم بكل شىء، من مسح وكنس وغسيل ونشر ولمّ الملابس الجافة وترتيبها ثم إعداد الطعام، وكل ذلك يقطعه طلبات الشاى والقهوة وتقديم الطعام وغسل الأطباق بعد الإفطار والغداء.. كانت تأتى إلى بيت الشغل ثلاثة أيام فى الأسبوع، ومع تقدم أصحاب الدار فى العمر طلبوا منها أن تأتى كل يوم وتحصل على يوم واحد إجازة، وترددت فى أن تقبل أم لا، فمعنى هذا أنها ستترك باقى بيوت الشغل لتقتصر عليهم فقط، حيث تأتى فى الصباح وترحل فى المساء، لكن ترددها زال مع الرقم الكبير الذي عرضوه عليها.. رقم لم تحلم به يومًا ووافقت.. نعم الشغل كثير لكن المقابل المادى كبير.. كانت تفعل كل شىء وأى شىء حتى كى الملابس، ووسط هذا كانت تدير أحوال أبنائها عبر التليفون.. وكانوا قد انتقلوا من عمارة فى إمبابة لعمارة فى مصر الجديدة فكان عليها أن تنقل أبناءها من مدارسهم فى إمبابة إلى مدارس فى مصر الجديدة، واعتذرت من السيدة حتى تحضر متأخرة ساعة؛ حيث يجب عليها أن تنهى أوراق الأبناء لتتمكن من نقلهم.. وعندما تسأل وماذا يفعل زوجك تشيح بيدها أنه لا يفعل شيئًا، فقط يشخط فى وجهها معنفًا «اصرفى وانتى ساكتة».. أما يوم إجازتها فهو ينتظرها لتقوم بمسح مدخل العمارة بدلًا منه، وإذا ما اعترضت لتعبها ورغبتها فى الراحة يومًا واحدًا فى الأسبوع يصرخ فى وجهها «مش عاوزة تساعدينى؟».
المقابل الوحيد لتعبها هو شعورها أنها باتت قادرة على تلبية طلبات الأبناء، فالابن الأكبر يحلم بدخول الجامعة والتخرج أو الحصول على منحة والسفر إلى الخارج، ويستعطفها ألا تتخلى عنه، وتقسم له أنها ستقف إلى جواره حتى يحقق أحلامه وتصر على تعليم الأربعة، بينما زوجها ينظر لها مندهشًا «انتى فاكراهم حيبقوا إيه، أبوهم بواب حيبقوا زيه، بينما هى تسعى بكل جهدها لتبطل كلامه وتقوم بتعليمهم.. هى لا يهمها شىء سوى أبنائها وأن توفر لهم ملابس المدرسة والدروس الخصوصية، بينما لا يهتم هو إلا بجلسته أمام البوابة وفى يده السيجارة وكوب الشاى.. تعود هى فى نهاية اليوم منهكة بينما يتداع الأربعة لتقبيل يديها ورأسها، فتشعر بسعادة غامرة تزيح عن كاهلها تعب اليوم، بينما هو ينهى ساعاته وهو جالس ليعود ويتمدد ويغط فى النوم.. ليس المهم غيابه عن المساهمة فى البيت، حيث تجنى هى أربعة أضعاف ما يجنى.. بل هو بالفعل غائب عن حياة أبنائه؛ حيث لا يعرف شيئًا عن أيامهم أو أحلامهم، بينما هى جزء لا يتجزأ من هذه الأيام والأحلام بكل تفاصيلها وملامحها.. هى جزء لا يتجزأ من عقولهم وقلوبهم وأيامهم.. هى تشعر بهم، لذا فهم يشعرون بها ويتألمون للمجهود الذى تبذله، وهم يعلمون أنه من أجلهم.. أما هو فهو الغائب دومًا.
إذا ما رفعنا اسم نعمة ووضعنا أى اسم آخر سنجد أن هذه القصة تنطبق على كل الأسماء، فهذه هى الست المصرية التى تحمل عبء ملايين البيوت الآن.
إذا ما رفعنا اسم نعمة ووضعنا أى اسم آخر سنجد أن هذه القصة تنطبق على كل الأسماء، فهذه هى الست المصرية التى تحمل عبء ملايين البيوت الآن.