بحثاً عن هدنة تمهد لمصالحة شاملة

بحثاً عن هدنة تمهد لمصالحة شاملة

بحثاً عن هدنة تمهد لمصالحة شاملة

 العرب اليوم -

بحثاً عن هدنة تمهد لمصالحة شاملة

حسن نافعة

لا أظن أن مصر تحتاج فى هذه المرحلة إلى «بطل» يحقق لها النصر على عدو يتهددها، لكنها بالقطع تحتاج إلى «حكيم» ينير أمامها جادة الطريق، ويلملم صفوف نخبتها المنقسمة على نفسها لتسهم بإيجابية فى صنع مستقبل أكثر إشراقا لشعب عانى طويلا ويستحق أفضل مما هو فيه. هناك قوى، فى الداخل والخارج، تسعى بإلحاح لإقناع جماعة الإخوان بأنها لم تخسر الحرب بعد، رغم هزيمتها المؤقتة فى معركة الصراع على السلطة، وأنها لاتزال تمسك بأوراق عديدة تتيح لها خوض حرب استنزاف طويلة المدى فى مواجهة نظام مغتصب للشرعية لا يملك مقومات الصمود، وبانهياره تصبح الظروف مهيأة أكثر من أى وقت مضى للشروع فى وضع «المشروع الإسلامى» المتكامل موضع التطبيق الفورى. وهناك قوى تسعى، فى الوقت نفسه، لإقناع النظام الحاكم بأن جميع فصائل تيار الإسلام السياسى، وليس جماعة الإخوان وحدها، تسعى لهدم الدولة المصرية، التى تعتبرها دولة «علمانية كافرة» لتقيم على أنقاضها حلم الخلافة، ومن ثم لا يصلح معها سوى البتر أو الاستئصال. والأرجح أن تكون القوى التى تسعى لإقناع الجماعة بأن حرب «الاستنزاف» هى الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعامل مع نظام «مغتصب للشرعية» هى ذات القوى التى تسعى لإقناع النظام الحاكم فى مصر حاليا بأن حرب «الاستئصال» هى الوسيلة الوحيدة التى تصلح للتعامل مع تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية. فكل ما يهمها فى النهاية إضعاف الدولة المركزية فى مصر، تمهيداً لتفتيتها، ولن يعنيها كثيرا حينئذ من يجلس فوق كومة الأنقاض المتبقية من الدولة المنهارة. ولأن المضى قدما على هذا الطريق المفخخ سوف يؤدى إلى إنهاك الجميع ولن يفيد سوى أعداء الوطن، على القوى الوطنية أن تفكر خارج الصندوق إذا أرادت كسر الحلقة الخبيثة التى يدور فيها الوطن والخروج من النفق المظلم الذى دخل ولايزال يسير فيه. أدرك أن الحديث عن «مصالحة» كالسباحة ضد التيار، فما إن ينطق أحد بهذا اللفظ حتى يتحسس كثيرون مسدساتهم. غير أننى لا أميل بطبعى للسير وراء القطيع، وأحمد الله أن وهبنى من الشجاعة ما يكفى للتعبير عما يجول فى خاطرى دونما خوف من سيف أى معز أو طمع فى ذهبه، ودونما اعتبار لشىء آخر سوى ما يمليه علىَّ ضميرى المهنى والوطنى. فقد وقفت بكل قوة ضد نظام مبارك حين كان فى أشد جبروته وعنفوانه، وتحملت فى صمت ما نالنى منه من أذى، ووقفت بكل ما أستطيع من قوة إلى جانب ثورة يناير، وبعدها إلى جانب ثورة يونيو، دون أن أسعى للحصول على أى من غنائمهما. غير أن هذه المواقف المبدئية لم تمنعنى مطلقا من توجيه أعنف الانتقادات إلى الجهة التى آلت إليها السلطة فى أعقاب كل ثورة حين وجدت أنها تنحرف بالثورة عن مسارها الصحيح. حدث هذا مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة مثلما حدث مع الدكتور محمد مرسى وجماعته. ومع ذلك لم أرفض التعاون مع أى منهما، حين طُلب منى المشاركة فى أمور معينة، شريطة أن يكون عملا تطوعيا دون أى مقابل. حدث هذا أيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حين عُينت عضوا فى المجلس الاستشارى، كما حدث أيام مرسى، حين عُينت عضوا باللجنة الفنية للجمعية التأسيسية. واللافت للنظر أن التجربة فشلت فى الحالتين، حيث اضطررت لتقديم استقالتى مع آخرين حين تبين لى أننا نستخدم كواجهة لتمرير سياسات لا تتفق مع قناعاتى. أعلنت دعمى لحركة تمرد حين كانت فى المهد فكرة، ودعوة الجماهير للخروج يوم 30 يونيو، وقمت بتأييد خارطة الطريق التى أُعلنت يوم 3 يوليو، ووجهت التحية للدور الوطنى الكبير الذى قام به الفريق السيسى، الذى أنقذ البلاد من مصير مجهول. غير أن هذه المواقف التى اتخذتها عن قناعة تامة وكدت أفقد بسببها حياتى حين قام أنصار مرسى بالاعتداء علىَّ بالقرب من ماسبيرو، لم تغرنى بالسير وراء القطيع على الناحية الأخرى. فبعد إزاحة جماعة الإخوان، ورغم قيام أنصارها بالاعتداء علىَّ بدنيا ونفسيا، كتبت مطالبا بالإفراج عن مرسى، ما لم يكن متهما فى قضايا جنائية، وبعد فض اعتصام رابعة كتبت مذكرا بأن التفويض الذى منحته الجماهير للسيسى «ليس تفويضا بالقتل»، ثم كتبت مرة ثالثة مؤكدا أن حماية الأمن القومى لا تبرر انتهاك حقوق الإنسان. ولأنه لا يجوز لمن يمارس العمل العام أن يدع العنان لمشاعره الشخصية حتى لا تتحكم فى مواقفه السياسية، فقد كان علىّ أن أبذل جهدا نفسيا خاصا لحمل نفسى على عدم الانسياق وراء حملة الكراهية التى يشنها الإعلام ضد جماعة الإخوان والقوى المتحالفة معها. ورغم تفهمى الكامل للحزم المطلوب عند التعامل مع الجماعات التى تمارس الإرهاب فى سيناء ومع المتورطين فى ارتكاب أعمال عنف أو فى التحريض عليها، إلا أننى كنت ومازلت أعتقد أن الدولة لم تبذل ما يكفى من جهد لتأكيد حرصها على لم الشمل ووضع حد لحالة الانقسام العميق التى أصابت المجتمع وباتت تهدد مستقبله. كنت قد كتبت عقب حادث الاعتداء علىَّ مقالا بعنوان: «هل يملك فضيلة المرشد شجاعة الاعتذار؟»، ورغم معرفتى الشخصية بالدكتور بديع، الذى التقيته عدة مرات عامى 2009 و2010، إلا أننى لم أتوقع اعتذارا، ولم أنتظر اتصالا من أحد. لذا كانت مفاجأتى كبيرة حين تلقيت مكالمة هاتفية من الدكتور محمد على بشر، عضو مكتب الإرشاد، وزير الحكم المحلى السابق، يخبرنى فيها بأنه لم يعلم بالحادث، وبأنه يعتذر عنه رغم اقتناعه بعدم تورط الجماعة فيه، وبأننى كنت ومازلت محل تقدير رغم الخلاف الواضح فى وجهات النظر. شكرته بالطبع على مبادرته الكريمة والمقدرة وعلى كلماته الطيبة، واستغرق الحديث عن تفاصيل الحادث معظم المكالمة الهاتفية. ولأن الدكتور بشر وعد بالمساعدة فى البحث عن متعلقات شخصية كانت قد فُقدت منى خلال حادث الاعتداء، فقد عاود الاتصال بى نافيا عثور أحد من أعضاء الجماعة على أى منها، وكان من الطبيعى أن يتطرق الحديث إلى ما يجرى على الساحة السياسية. وعندما سألته عما إذا كان لدى الجماعة تصور لكيفية الخروج من الأزمة غير ما نسمعه فى وسائل الإعلام، أجاب بأن الموضوع ربما يحتاج إلى لقاء مباشر، فرحبت واتفقنا على أن نلتقى فى نادى أعضاء هيئة التدريس بالمنيل، واقترح أن يصحبه الدكتور عمرو دراج، وزير التعاون الدولى السابق، فى هذا اللقاء، فرحبت بذلك أيضا، خصوصا أن معرفتى بالدكتور دراج تعود لسنوات مضت. استغرق اللقاء حوالى الساعة أو أكثر قليلا، وخرجت منه بانطباعات عدة، تخصنى وحدى ولا تلزم أحدا غيرى، أهمها: 1- أن الجماعة تعترف بارتكابها أخطاء عديدة أثناء وبعد ثورة 25 يناير. 2- لا يستطيع أحد أن يدعى تمثيله رسميا لجماعة الإخوان فى ظل ظروف الاعتقال والملاحقة الحالية لمعظم قياداتها، ولا تستطيع الجماعة بدورها أن تتخذ مواقف منفردة، لأنها جزء من تحالف أوسع. 3- يصعب على الجماعة فى الظروف الحالية أن تبلور رؤية محددة للخروج من الأزمة أو تدخل فى مفاوضات بينما معظم قادتها إما معتقلين أو مطاردين. وحين أشرت إلى عدم واقعية ما يتردد عن مطالبة الجماعة بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 30 يونيو، وأن المطلوب بلورة رؤية أكثر واقعية تقبل الأخذ والرد، لفت نظرى بشدة رد الدكتور بشر حين قال: «لا أظن أن أحدا يعتقد أن بالإمكان الآن عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 30 يونيو، وأقصى ما نطمح إليه هو عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير»!! تذكرت تفاصيل هذا اللقاء أثناء حديث أجرته الإعلامية لميس الحديدى مع الأستاذ هيكل، فى حلقة الخميس قبل الماضى. فقد أشار فيه إلى لقاء مماثل جرى مؤخرا مع الدكتور بشر والدكتور دراج أيضا، ولفت نظرى بشدة تصريح هيكل فى هذا الحديث بأنه يعتقد بعدم جدوى الحوار مع جماعة الإخوان فى المرحلة الراهنة. وربما كان بوسعى تفهم هذا الموقف من جانب قامة كبيرة كالأستاذ هيكل لو أنه كان قد شرح تفصيلا الأسباب التى تدعوه لتبنى هذا الموقف، وأجاب فى الوقت نفسه عن أسئلة ذات صلة، منها: هل يعتقد أن الإجراءات الأمنية المتبعة حاليا تكفى لضمان نجاح خارطة الطريق؟ ومتى يصبح الحوار مع الجماعة ممكنا، أم أنه لا جدوى من الحوار معها مطلقا، وبالتالى فالاستئصال هو الحل؟ أدرك حجم الصعوبات التى تكتنف أى جهد يبذل لتحقيق مصالحة مع جماعة الإخوان بعد كل ما جرى. وكم كنت أتمنى لو امتلك المرشد العام ما يكفى من الحنكة لاتخاذ قرار شجاع بفض الاعتصام طواعية، وهو ما ناشدته أن يفعل فى مقال بعنوان «لو كنت مكان فضيلة المرشد العام». ومع ذلك فإن تعذر تحقيق المصالحة فى الظروف الراهنة لا يصلح مبررا للاستسلام لأمر واقع بغيض يقوم على اعتماد سياسة «الاستئصال» فى مواجهة سياسة «الاستنزاف»، فهذا طريق الهلاك بعينه. لماذا لا نفكر جديا فى العمل على عقد «هدنة» تمد جسور الثقة المفقودة بين الجماعة والمجتمع، كمرحلة أولى تمهد للمصالحة. هدنة تلتزم الجماعة بموجبها بالتهدئة التامة، بما فى ذلك الامتناع عن التظاهر، فى مقابل الإفراج عن كل من لم يثبت تورطه فى ارتكاب أعمال عنف أو تحريض على العنف أو على الفتنة الطائفية. ولماذا لا يخرج علينا الدكتور زياد بهاء الدين ليشرح لنا بالضبط ماذا جرى لمبادرته؟ هل اتصل بأحد؟ وماذا كان الرد؟ وهل هى حقا مبادرة جادة أم مبادرة «كده وكده»؟ ألا يستحق الشعب المصرى من حكومته هذه أن تتعامل معه بطريقة أكثر جدية واحتراما، أم أننا مازلنا نعيش زمن الانتهازية والتسلق ويحكمنا الانتهازيون والمتسلقون؟

arabstoday

GMT 02:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«إنجاز» كيسنجر الذى يُدمر!

GMT 02:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بين الشطرنج والمراهنات

GMT 06:28 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:24 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:23 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 06:20 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

كلاب إسرائيل وجثث الفلسطينيين!

GMT 06:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:18 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحثاً عن هدنة تمهد لمصالحة شاملة بحثاً عن هدنة تمهد لمصالحة شاملة



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab