قانون الغاب

قانون الغاب

قانون الغاب

 العرب اليوم -

قانون الغاب

حسن نافعة

شهدت مدينة بنى سويف، يوم السبت الماضى، جريمتين كاشفتين لحقيقة ما يجرى فى مصر من خلط هائل فى الأوراق بين كل ما هو راق ونبيل وكل ما هو دنىء وخسيس. الجريمة الأولى وقعت فى جنح الظلام وراح ضحيتها ضابط شاب أثناء قيامه بتأدية واجبه حين توجه لفض مشاجرة فى أحد الأحياء العشوائية بالمدينة. أما الجريمة الثانية فقد وقعت فى وضح النهار وراح ضحيتها مواطن متهم بإطلاق النار على الضابط الشهيد. ولأن أحد مشاهد الجريمة الثانية وقع أثناء تشييع جثمان الضابط الذى راح ضحية الجريمة الأولى تم تصوير هذا المشهد وبثه فضائياً فى اليوم نفسه فى برنامج «جملة مفيدة»، الذى تقدمه الإعلامية المتميزة منى الشاذلى، وبالتالى أصبح العالم كله شاهداً. فقد تضمنت إحدى فقرات هذا البرنامج تقريراً مصوراً يظهر مواطناً تم وضعه عنوة فوق ظهر عربة بيضاء «ربع نقل» كانت تتحرك ببطء خلف جنازة الضابط الشهيد، ويمسك به رجال أشداء وحولهم جمهور يمسك بعضه بسلاح آلى «ميرى» يلوّح به إلى آلى، بينما كان البعض الآخر منهمكاً فى ضرب المواطن بعنف وفى دهسه بالأقدام إلى أن فقد وعيه تماماً. وكشف الحوار، الذى دار مع ضيوف هذه الفقرة، عقب بث التقرير، حقائق مذهلة يتضح منها: 1- أن المواطن الذى شوهد فى التقرير المصور، واسمه حسين أبوالرجال، هو المتهم بقتل الضابط الشهيد. 2- تم القبض على هذا المواطن بعد ساعات من وقوع الجريمة واقتيد مع فتاة كان يختبئ عندها إلى أحد أقسام الشرطة بالمدينة. 3- ليس من المعروف كيف خرج المتهم من الحجز أو المسؤول عن وضعه فوق هذه العربة الخاصة التى توجهت به إلى المكان الذى انطلقت منه جنازة الضابط الشهيد. 4- معظم الرجال الذين أحاطوا به وكانوا يوسعونه ضرباً وركلًا بالأقدام كانوا من رجال الشرطة وبعضهم كان يحمل سلاحاً. 5- أكد أحد الضيوف أن بعض من أحاطوا بالمتهم كان يصر علناً على تعليقه بعد ضربه حتى الموت فوق أحد الأعمدة المقامة فى الميدان كى يصبح عبرة لغيره، غير أن كبار الضباط المتواجدين رفضوا الفكرة. 5- تردد أن المتهم نقل بعد ذلك إلى أحد المستشفيات، لكن المستشفى الذى نقل إليه تعرض لهجوم من جانب أعداد غفيرة وأخذت المتهم معها، دون أن يعرف أحد ما إذا كان حياً أم ميتاً، بينما يؤكد البعض الآخر أن المتهم لقى حتفه فوق العربة ونقل إلى المستشفى ميتاً، وأن قصة الهجوم على المستشفى ربما تكون مختلقة أو ملفقة من أساسها أو جزءاً من عملية التغطية على الجريمة الوحشية. ما جرى فى بنى سويف يوم السبت الماضى تلخصه مشاهد أربعة تعكس حالة مصر الراهنة. المشهد الأول: منطقة عشوائية يحكمها البلطجية، ولا تخضع لقانون، ويعد وجودها فى حد ذاته شاهداً حياً على حجم الكوارث التى خلفها النظام القديم، كانت هى مسرح الجريمة الأولى. المشهد الثانى: ضابط شاب استجاب لنداء الواجب وقدم روحه فداء للوطن رغم وعيه بمخاطر حالة أمنية تتسم بالسيولة التامة. المشهد الثالث: حالة عصبية تسيطر على مؤسسة أمنية تربت فى حضن النظام القديم ولاتزال عاجزة عن فهم حقيقة ما جرى فى مصر، وتتصرف بوحى من غريزة الانتقام، ولم تتعلم بعد معنى احترام القانون. المشهد الرابع: جمهور تحركه روح القطيع، ولم يستطع بعد أن يستوعب ثقافة الديمقراطية أو المفهوم الصحيح لدولة القانون ومعنى المواطنة وحقوق الإنسان.  من الطبيعى فى بلد تتكرر فيه مشاهد من هذا النوع أن تختلط الأوراق والمعانى. فحين تمنح الشرطة لنفسها رخصة بالقتل، بدعوى مقاومة «العنف» أو القصاص من القتلة والمجرمين، فقل على الدنيا السلام. فمتى تدرك الأجهزة الأمنية فى مصر أن استخدام القوة غير مسموح به إلا فى حالة الدفاع الشرعى عن النفس، وأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، وأن القصاص ليس حقاً فردياً أو جهوياً، لكنه حق أصيل للمجتمع يمارسه من خلال مؤسساته وأجهزته القضائية. لذا يمكن القول دون تجاوز إن ما جرى فى بنى سويف يشير إلى أن مصر باتت على وشك الانتقال من «حالة المجتمع» إلى «حالة الطبيعة»، أى من دولة القانون إلى قانون الغاب.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الغاب قانون الغاب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab