الصندوق وحده لا يكفي

الصندوق وحده لا يكفي

الصندوق وحده لا يكفي

 العرب اليوم -

الصندوق وحده لا يكفي

حسن نافعة

هل يعد الحاكم الذى يأتى إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع أفضل بالضرورة ودائماً من الحاكم الذى يأتيها بغير هذا الطريق؟. التاريخ يقول لنا: لا، ليس بالضرورة، وليس دائماً. فهتلر وصل إلى السلطة فى ألمانيا عام 1933 عبر صناديق الاقتراع، ولأنه انتهج بعد ذلك سياسات حمقاء، تسببت فى إشعال حرب عالمية ثانية انتهت بهزيمة ألمانيا وتدمير أوروبا وانتحاره هو شخصياً فى نهاية المطاف، فقد كان نقمة على ألمانيا وعلى العالم. أما ديجول فقد وصل إلى السلطة فى فرنسا عام 1958 بعد أن استدعاه الجيش الفرنسى فى الجزائر لهذه المهمة فى أجواء أشبه بانقلاب عسكرى. ولأنه انتهج سياسات أدت ليس فقط إلى إنقاذ فرنسا من محنتها، وإنما تمكينها أيضا من صياغة دستور أفضل وأكثر قدرة على كفالة الاستقرار والمحافظة على متطلبات الديمقراطية فى الوقت نفسه، فقد خلده التاريخ كواحد من أبرز زعماء العالم. لكن يبدو أن الحزب الحاكم لم يدرك بعد هذه الحقيقة، بدليل حديثه الدائم والممل عن عدم جواز الخروج على طاعة الحاكم المنتخب ورفض تغييره إلا من خلال الصندوق وإلا يعد ذلك انقلاباً على الديمقراطية وتمرداً على الشرعية. لكن ماذا لو خرج الحاكم عما التزم به فى حملته الانتخابية وراح يمارس عقب انتخابه سياسات يرى فيها قطاع كبير من المواطنين خطورة على أمن البلاد واستقرارها؟ هل يتعين فى هذه الحالة الركون إلى الصبر والانتظار إلى أن تنتهى فترة ولاية الحاكم، لمجرد أنه منتخب، قبل أن يصبح بمقدور الشعب تغييره من خلال الصندوق؟ وماذا لو وقعت الكارثة قبل موعد الاستحقاق الانتخابى؟ أليس من الأفضل التحرك قبل فوات الأوان للحيلولة دون وقوع الكارثة أصلا؟. تجيب النظم الديمقراطية فى الواقع على كل هذه التساؤلات. فالقول بأن النظم الديمقراطية تقوم على افتراض أن الصندوق هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للتغيير هو قول يفتقر إلى الدقة. فالنظم الديمقراطية الحقيقية تتيح للمواطن ولمؤسسات المجتمع المدنى وللأحزاب السياسية وللنقابات العمالية والمهنية حق ممارسة الاحتجاج على السياسات القائمة بمختلف الوسائل السلمية، بدءاً بالتظاهر والإضراب، وصولًا إلى المطالبة بإعلان عصيان مدنى، ولم تفرض التزام الهدوء والصبر والانتظار إلى أن يحين موعد الانتخابات لتقول الجماهير كلمتها من خلال الصندوق. ويعد هذا فى حد ذاته دليلًا على أن النظم الديمقراطية الحقة تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها عملية مستمرة، ومن ثم يتعين أن تكفل للمواطن حق المشاركة فى صنع القرارات التى تخص مستقبله فى أى وقت، ولو بالتعبير عن الاحتجاج والرفض للسياسات القائمة، وليس باعتبارها عملية قابلة للاختزال فى لحظة وفى صندوق، حتى ولو كانا قابلين للتكرار دورياً. ينطوى هذا الوضع على حكمة مزدوجة لصالح الحاكم والمحكوم معاً: تمكين المواطن من مشاركة مستمرة فى صنع وتوجيه السياسات العامة، وتمكين الحاكم من القياس المستمر لصدى سياساته على الأرض ومدى تجاوب المواطنين معها. لذا يتعين على الحاكم المؤمن بالديمقراطية حقاً، حين يشعر بأن قطاعاً مهماً من المواطنين لا يتجاوب مع سياساته، أن يسلك أحد سبيلين: تعديل السياسات التى أدت إلى حدوث احتقان ظاهر، بما يكفل تخفيف حدة هذا الاحتقان، أو إجراء انتخابات سياسية مبكرة، لإعادة تأكيد ثقة الأغلبية فى سياسات الحاكم. مشكلة الدكتور مرسى أنه لا يريد أن يلجأ إلى أى من السبيلين. فهو، من ناحية، يبدو مصمماً على فرض سياسات ترى قطاعات جماهيرية متزايدة أنها تحكمية وغير مدروسة وتشكل خطورة كبيرة على وحدة النسيج الاجتماعى، لكنه من ناحية أخرى يرفض رفضاً قاطعاً فكرة اللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ولا يرى فيمن يطالبون بها سوى مارقين أو متآمرين. ومع ذلك يصر الدكتور مرسى على ضرورة إجراء انتخابات لمجلس النواب فى أسرع وقت ممكن، رغم استحالة إجراء الانتخابات فى ظل الإضرابات الراهنة، ورغم عدم ثقة قوى المعارضة الحقيقية فى انتخابات برلمانية تجرى فى ظل الحكومة الحالية. أظن أنه آن الأوان كى يدرك الدكتور مرسى: 1- أن الديمقراطية أكبر من أن تُختزل فى صندوق انتخابى. 2- أن الصندوق لا يصلح وسيلة لقياس الإرادة الشعبية الحقيقية إلا إذا كانت قواعد إدارة اللعبة السياسية والمنافسة الانتخابية متكافئة (وهى ليست كذلك الآن على الإطلاق بسبب كثرة الأخطاء التى ارتكبت فى المرحلة الانتقالية وحالت دون وضع دستور وقوانين تكميلية بالتوافق العام) 3- أن المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ربما تكون وسيلة المعارضة لإسقاطه، لكن بوسعه هو أيضاً أن يستخدمها وسيلة لتثبيت دعائم حكمه وللخروج بالبلاد من حالة الاحتقان الراهنة، وبالتالى فهى ليست مؤامرة أو جريمة فى حقه. هى إذن وسيلة محايدة، فلماذا لا يستخدمها؟ ولماذا تصبح المطالبة بالاحتكام إلى الصندوق وسيلة مشروعة ومحببة تارة، ومؤامرة دنيئة تارة أخرى، ألا يعد ذلك تناقضاً بيناً؟ نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصندوق وحده لا يكفي الصندوق وحده لا يكفي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab