وكأنني تزوّجت البلاد

.. وكأنني تزوّجت البلاد !

.. وكأنني تزوّجت البلاد !

 العرب اليوم -

 وكأنني تزوّجت البلاد

بقلم _ حسن البطل

«شهد المشاهد كلها». هكذا قال الأقدمون عمّن عارك نوائب الدهر وعركته. هل ليس أدهى وأعظم من نائبة النكبة، وقد عركت الشعب وعاركها في البلاد والشتات. هاكم ثلاثة نماذج، هي حصيلة ثلاثة أيام وثلاث ليال قضيتها في جليل فلسطين.
***
زهرة
ثلاث زيتونات معمّرة ـ متجدّدة في بيت الحاجة زهرة تغطي ظلالُها باحة البيت قعدت في باحته ثلاث ليال، هي لمّة ناس قرية البعنة، تهيئة لما بين كتب كتاب الشاب حسن، حفيد زهرة، ويوم زفافه إلى عروسه من قرية نحف (باعدوا تصحوا) !

على كرسي تقعد زهرة (91 سنة)، كأنها زيتونة حامولة البكري، ثالثة حامولات القرية، بل وأكبر الأحياء في القرية، وهي خالة محمد بكري، الممثل والمخرج، الذي استضافني في بيته.

كما رجال المنفى، كما رجال البلاد، الذين «طقطقوا» من القهر والهمّ بعد النكبة، فإن بعلها «طقطق» وترك لها عشرة أولاد ربتهم حتى شبُّوا، ورعت أولادهم وحتى أحفادهم الذين رأيتهم زينة زفاف حسن الوشيك. جيل جديد وجميل.

أذهلني صفاء وجه زهرة، كأنها في الخمسين من عمرها، وثمة شيء أضاء صفحة وجهها لما أخبرها محمد بكري أنني ولدت في طيرة حيفا. «مصير الحي أن يتلاقى».. في أرض الأرض.

البعنة جارة مجد الكروم، وعلى الاغلب ستكون سهرة ليلة زفاف حسن في ما كان مركز الحكم العسكري، وفيه سجن مرّ عليه محمود درويش، ولعلّه الذي أوحى له بالقول: «لا غرفة التوقيف باقية، ولا زرد السلاسل».. ومكان ما كان صار صالة للأفراح، فيه «يزوّجون أولادهم لبناتهم» كما قال الشاعر عن تعريف علاقة ناس البلاد بأرض البلاد.

درويش
في الطريق إلى البروة، أشار محمد بكري إلى سفح تلّة، وقال: صعد الغزاة من هنا، وهبطوا إلى القرية، طردوا منها أهلها، مسحوا بيوتها، وأقاموا في أراضيها مستوطنة اسمها «أحيهود» وأسكنوا فيها يهودا يمانيين.

ما الذي تبقّى من البروة؟ في ظاهر مستوطنة «أحيهود» مدرسة كان درويش من تلاميذها. من غرفة تلاميذ الصف الثالث أطللت على «السبّورة». للمدرسة خمس غرف لخمسة صفوف، وفيها تعلّم الشاعر فكّ حروف اللغة العربية، وانتهى إلى «سيد الكلام»  ومكانة الشاعر القومي!

شيبة الرجال لون البياض، ولشيبة الحجارة لون السواد، وحديقة المدرسة وحشية في نباتات الحرفيش الذابلة، ونباتات الشومر، ولا تسأل كيف كانت الأشجار وكيف صارت.

وطأت أرض المدرسة حريصاً، خوفاً من لدغة أفعى لأقدام تنتعل الصندل. بدت لي المدرسة قبراً كبيراً، أو ضريحاً مهجوراً.

درويش «شهد المشاهد». كتب في ديوان مبكر: «تزوّجت البلاد يا محمد». هل رأى كيف صارت غرفة التوقيف صالة أعراس لشباب قرى: البعنة، دير الأسد، نحف، مجد الكروم، وعلى أراض مصادرة لهذه القرى أقيمت مدينة «كرمئيل» اليهودية الصرفة.

تظل البروة التي جرّدت من كامل حقولها على خارطة الحنين، مبنى مدرسته الأولى أشبه بضريح مهجور، وأما مثواه الأخير في رام الله فصار معلماً يحج اليه الناس، وللبروة التي فقدت اسمها على خارطة اسرائيل، أن تصير مشروعاً لحديقة البروة على التلة في رام الله.

الذي قال: كان اسمها فلسطين وصار اسمها فلسطين، يوارى الثرى في أرض فلسطين ـ الجزء المتاح من فلسطين، بعد أن «شهد المشاهد.. ليس كلها بل جلّها.

صبري جريس
ابن البروة وابن الجديدة، عاد من المنافي إلى رام الله، لكن ابن فسوطة، صبري جريس، عاد إلى قريته، وإلى بيت غادره إلى المنافي مبعداً، بعد أن شارك في إصدار «نشرة الأرض» إبّان الحكم العسكري. «يمشي المكان في المكان، وأنت يمشيك الزمان».

في بيروت شهد صبري؛ عن بعد، انتفاضة يوم الأرض في العام 1976، كما شهد تدمير مركز الأبحاث، ثم إعادة تأسيسه في نيقوسيا، وبعد أوسلو عاد إلى حيث ولد.

كنت معه في بيروت؛ ومعه في نيقوسيا، وكان معي زائراً في رام الله.. وأخيراً زرته في قريته. هذه دورة زمان، وشعار صبري بعد أوسلو هو كما قال الشاعر القديم: «نحن قوم لا نرى في الخير لا شر بعده/ ولا نرى في الشر ضربة لازب». نهض الشعب من النكبة الأيارية، ولم تنهض الأمّة من النكسة الحزيرانية.
الذي يعرف فلسطين قبل النكبة (عمره الآن 81 سنة)، وإسرائيل بعد النكبة، وفلسطين بعد أوسلو، عرضت عليه أن يكتب في هذا المكان. قَبِلَ مبدئياً، وكان في بيروت قد رفض التماس الانتقال من الصحافة إلى مركز الأبحاث، لأنّ للصحافة دورها، ولي فيها دور.

في بيته يعيش وحيداً، وتعيش ابنته الوحيدة في رام الله، وبيته المتقشّف صار مركز أبحاث مصغّراً. صبري «شهد المشاهد كلها».
***
كنت أريد أن أُعنون المقالة بـ «كنتُ في فلسطين» أو كنت أجول ثلاثة أيام في قرى الجليل. في مستديرة بالبعنة نصب من حجر لخارطة فلسطين الكاملة، التي هي خارطة إسرائيل الكاملة. قرأت أن شاباً في المثلث قال لأمه: تريد إسرائيل ضمّنا إلى فلسطين. قالت: إحنا في فلسطين يمّا!. فلسطين الأوسلوية هي لديهم «يهودا والسامرة» وفلسطين الحنين هي حيث يعيش الفلسطينيون في أرض فلسطين.

ألقيت السلام على قرية مصمص حيث عاش راشد حسين، وألقيت السلام على قرية الرامة حيث عاش سميح القاسم، ورأيت رؤيا العين والقلب مدرسة البروة.

الذي ولد في طيرة حيفا قبل النكبة «شهد المشاهد» ليس كلها بل جلّها. وفي جولة مع محمد بكري وضيافته في الجليل بقية. تزوّجت البلاد ثلاثة أيام وثلاث ليال.

arabstoday

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 وكأنني تزوّجت البلاد  وكأنني تزوّجت البلاد



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد

GMT 18:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هوكستين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيخرج بشكل كامل من لبنان

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي بعد إعادة تأهيله

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

البيت الأبيض يكتسى بالثلوج و5 ولايات أمريكية تعلن الطوارئ

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab