"سبسب" صديق لي على جموع المثقفين طراً خلال موقعة غزة، وقال: "لا أستثني منهم أحداً" وبهذا كأنه سبسب عليّ.
هو، حقاً، "فأر" كتب (كما كنت قبل هذا العمود اليومي) ووددت لو أحيله الى "الفرشة" من غرامشي.
هو، فعلا، له رواية ويكتب في نقد الكتب، فهو، إذاً، مثقف أكثر مني، ويليق به ان يسبّ نفسه مع جموع المثقفين.
صفحتي على "الفيسبوك" فقيرة، فهي جَمْع مقالاتي اليومية، بناء على طلب القراء والله، فإن أقحمت عليها رأياً آخر او دراسة، فهذا لمجرد النقاش فيها من قرائي، وبالذات لأطبعها لاحقاً في المكتب وأعود للاقتباس منها.
عادة، أذكر مصدر الرأي او الدراسة المقحمة على صفحتي، او أضيف من عندي تعقيباً موجزاً، مثل "رأي حصيف" او "نقلاً عن النهار اللبنانية مثلاً، او "الحوار المتمدن".
حصل أن أقحمت يوم ٣٠ تموز مادة عن الخلافة الداعشية و"جهاد النكاح" وعناصر هذا التنظيم لا يرون في الدنيا إلاّ ثلاثة: الجهاد، الجنة، والنكاح. ماذا كانت ردة فعل قراء صفحتي؟
فكري عباس قال: يا حسن اتقوا ربنا .. أهلنا في غزة يستغيثون وأنتم توضحون لنا نكاح الجهاد. عمر عبد الله كتب "والله عيب هذا الكلام ينشر تحت اسم الصحافة، وأن تنشره بعض ما تسمى "صحافة فلسطينية" لا شرف لمن يدنس اسم القدس بنشر هذه القاذورات مقابل عدة دولارات. واحد آخر ترحم على زمن صدام؟!
في معالجتي للحرب الثالثة على غزة، تجنبت استخلاصات سياسية، وركزت على سير الحرب، خلافاً لمعالجتي لحرب ٢٠٠٦ بين حزب الله وإسرائيل، حيث كنت وحدي في المقهى ضد الحزب وإسرائيل معاً .. وبعد ثماني سنوات كتب صديق لي في صفحته انه يأسف لدعمه حزباً صار يقاتل مع النظام السوري؟!
أيضاً، انتقدت سير الحرب في "الرصاص المصبوب" و"عمود السحاب"، وجرّ هذا علي شتائم وسباباً مقذعاً .. لكن هذه الحرب الأخيرة أراها مختلفة، لذا كتبت عنها بروح الحياد الإيجابي المنحاز للمقاومة.
صلاح بدر الدين كتب : "بصراحة إلى الأصدقاء الفلسطينيين" في موقع "الحوار المتمدن" عن نقده سياسة حماس، وتأييده لصمود غزة، فوصفها على صفحتي تحت عنوان "رأي حصيف" وعلقت عليها لمى حوراني "صراحة .. المقال وما يطرحه حق يراد به باطل".
الزميل السابق ياسر جوابرة كتب: "أين هي الحصافة أستاذ حسن؟ أرى أن أراءه تتساوق مع آراء أفيخاي أدرعي (ناطق عسكري إسرائيلي) وموشيه يعلون .. (ولو)؟!
في المقهى أرى اثنين او ثلاثة يقرؤون الصحف، والغالبية "تنقر" على الهواتف الذكية .. والجميع يتابعون فضائيات فصائل الانتفاضة على مدار الساعة، فإن طلبتُ فضائيات أُخرى حول الأصداء السياسية للحرب لا يستجيب أحد لطلبي .. إلا بعد لأي.
أثارت حرب غزة الأخيرة حمأة أشد مما أثارته حرب تموز ٢٠٠٦ بين حزب الله وإسرائيل، التي طبقت للمرة الأولى خيار "هاني - بعل" أي الأرض المحروقة إذا وقعت شبهة حول أسر جندي او اختطاف جثة جندي، وطبقت للمرة الثانية "خيار الضاحية" أي تدمير ضاحية بيروت حيث قيادة حزب الله في "المربع الأمني" الخاص بها، وكان التطبيق في "خزاعة" جنوب القطاع، التي تبعد عن الحدود ٥٠٠ متر.
أنا لا أبحر كثيراً على مواقع "الإنترنت" لأنها تشتت تركيز أفكاري أو لا أملك هاتفاً ذكياً لا يكف بعض الناس عن النقر عليه، لكنني أقحم على صفحتي آراء مختلفة مع ذكر المصدر وتعليق موجز، حتى أنني عازف عن خوض حوارات ذات مهاترات عن الحرب وعن المفاوضات.
ما أريد قوله هو أن عامة الناس تبقى بعيدة عن تقبل آراء تخالف الرأي العام السائد، والمتسرع، ومن ثم فإن هذا "الربيع العربي" سيكون مليئاً بالويلات لأن الناس العرب ليس لديهم، حتى الآن، ثقافة الاختلاف، رغم وسائل الاتصال الحديثة، التي زادت الطين بلّة، كما تحوز جيوش عربية في الخليج آخر الأسلحة من مصانع الغرب دون ان تستخدمها.
كشفت هذه الحرب أننا لم ندرك بعد أوليات ثقافة الاختلاف وهي: من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد.
.. أو نصف أجر .. أو شتيمة و"سبسبة" على ناقل الرأي، علماً أن ناقل الكفر ليس بكافر.
آخر تعقيب على عمود الأمس المعنون "رائحة انتصار" من آدم صالح:
".. لا أحد يزاود على تاريخك المشرّف، لكنني اصدقك القول: إن موقفك من هذه المجزرة كان "مائعاً" و"طرياً" و"سياسياً" .. فبئس الموقف بعد هذا العمر الطويل"؟!
سيأتيك بالأخبار من لم تزود.