حسن البطل
من واشنطن، أعلن رئيس إقليم كردستان ـ العراق مسعود البرزاني أن الاستقلال آت. النضال الكردي للاستقلال قد يكون أقدم من "جمهورية مهاباد" في كردستان ـ إيران، التي دعمها السوفيات بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المسيرة الكردية السياسية للاستقلال ربما بدأت في كردستان ـ العراق العام 1974 باتفاقية آذار.
آنذاك، كانت الصيغة الرسمية العراقية تقول: "شعب العراق بعربه وكرده وأقلياته القومية المتآخية".
حتى العام 2011، والانفجار المتسلسل للربيع العربي، كانت الجغرافيا السياسية لدول سايكس ـ بيكو، كما لخصها شارل مالك، وزير خارجية لبنان وقتها، هي هذا السؤال: أربع دول وخمسة شعوب.
الشعب الحاضر، والدولة المغيبة هي فلسطين. لكن في العام 1974، أيضاً، بدأت المسيرة السياسية الفلسطينية بالإعلان عن البرنامج المرحلي ـ برنامج النقاط العشر والسلطة الوطنية الفلسطينية هناك من يربط الإعلانين العراقي والفلسطيني، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالحرب العربية ـ الإسرائيلية في أكتوبر 1973، فقد سحبت بغداد قواتها من كردستان الثائرة للاشتراك في تلك الحرب، وبعدها بدأت مسيرة سياسية عربية ـ إسرائيلية أثمرت سلام كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي، وقادت في النهاية إلى "حكم ذاتي" فلسطيني.
حربا العراق 1991 و2003 أدتا، مباشرة أو غير مباشرة، إلى قيام سلطة سياسية كردية في كردستان ـ العراق، الذي أصبح منطقة هادئة نسبياً في عراق مضطرب تماماً، وصارت كردستان العراق ملاذاً، اقتصادياً وبشرياً، والعراق الكونفدرالي تحقق في كردستان ـ العراق، لكن حرباً قومية عربية ـ كردية، صارت حروباً طائفية ومذهبية في بلاد الرافدين تهدد بتقسيمه، كما الأمر في سورية.
ذيول حرب 1991 في العراق أدت، أيضاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى مؤتمر مدريد، الذي أدى إلى أوسلو.
لكن، بينما يتمتع إقليم كردستان باستقلال شبه فعلي بعد احتلال بغداد، ويرفع علمه القومي إلى جانب العلم الفدرالي، ويتولى كردي رئاسة الجمهورية العراقية وحقيبة المالية الفدرالية، فإن "الحكم الذاتي" الفلسطيني انتكس واقعياً نتيجة الانتفاضة الثانية، لكنه تطور سياسياً إلى "الحل بدولتين".
على رغم المصادفات التاريخية في السعي للاستقلالين الكردي والفلسطيني، فإن الاستقلال الكردي مطلب قومي، فالأكراد قومية غير عربية تتوزع، رئيسياً بين ثلاث دول (العراق، تركيا، إيران) لكن الفلسطينيين وطنية عربية، يتحدثون العربية، ويدينون بدين وحتى مذهب الغالبية في هذا الشرق الأوسط، لكنهم، منذ احتلال العراق للكويت، يعانون نوعاً من النبذ في الشتات العربي للفلسطينيين، الذي يتركز في دول الشام.
عملياً، مع ذلك، صارت كردستان ـ العراق "مركز حياة" للشعب الكردي، وصارت السلطة الفلسطينية "مركز حياة" للشعب الفلسطيني، كما إسرائيل "مركز حياة" ليهود العالم.
الحقيقة أن أربع دول وخمسة شعوب تتعلق بدول الشام، لكن سايكس ـ بيكو رسم حدوداً أنشأت خمس دول وستة شعوب، باعتبار أن الأكراد والفلسطينيين لم يشكلوا دولة قومية ـ وطنية كيانية لكل منهما.
يتحدثون عن شعب كردي في كردستان الكبيرة. (حوالى 20 مليون نسمة) لكن هناك اختلافات لغوية وعرقية، وأيضاً نتيجة علاقة الشعوب الكردية بدول قائمة، فهم يعتبرون قانونياً وليس فعلياً أو قومياً باعتبارهم "مواطنين" في العراق وتركيا وإيران.. خلاف الفلسطينيين في الشتات العربي.
الفلسطينيون "مواطنون" رسمياً ونظرياً في إسرائيل، لكنهم فلسطينيون قومياً ووطنياً في مناطق السلطة، وفلسطينيون ـ لاجئون في بلاد الشتات بصفة "ضيوف".. وعلى مدى أكثر من ستين سنة.
في عراق مضطرب، قد يختار شعب كردستان ـ العراق الاستقلال في استفتاء عام، كما الأمر في جنوب السودان، ومن المؤكد أن يختار الفلسطينيون الاستقلال في "فلسطين الصغيرة".
مع ذلك، فإن إقليم كردستان يتمتع باستقلال فعلي ذاتي لكن فلسطين تتمتع سياسياً باستقلال سياسي دولي، وهي عضو مراقب في الأمم المتحدة.
إلى أن يهدأ هذا الاضطراب في هذا الشرق الأوسط، أو يسفر عن تعديل لحدود سايكس ـ بيكو فإن استقلال كردستان وفلسطين ينتظر الوقت المناسب والظرف المناسب.