في «الزمنات» الثورية كانوا في جزيرة السكر والسيجار (وكاسترو الكبير وغيفارا الملتحي) يهتفون: كوبا سي (نعم) يانكي (نو).
نصف قرن وشبه عقد من السنوات، انصرمت (تصرّمت) قبل أن يفعل أوباما ما فعله سلفه نيكسون مع الصين الشعبية في منتصف سبعينيات القرن المنصرم. «مشى نيكسون على سور الصين العظيم»، أو «طرق الباب ففتحنا له» كما وصف زعيم صيني زيارة تاريخية من زعيم «اليانكي» ودولة النسر إلى بلاد ماوتسي تونغ ولين بياو، أو بلاد التنين وكتاب بياو الأحمر، وشعار «ريح الشرق تغلب ريح الغرب».
لم تتّعظ أميركا من نصيحة قاهر بلاد الساموراي، الجنرال ماك ـ آرثر لنجله: إياك أن تخوض حرباً في آسيا، وخاضت حربين في كوريا وفيتنام، ورابعة أيضاً في أفغانستان، وخامسة في العراق.
.. وأيضاً، نصف حرب ضد كوبا (غزو خليج الخنازير زمن الرئيس كنيدي) وعشر محاولات لاغتيال كاسترو الكبير الملتحي، وأزمة نووية دامت 33 يوماً مع موسكو ـ خرتشوف.. وتوّجتها بحصار خانق لكوبا.
كان سبارتاكوس القرن العشرين، أرنستو تشي غيفارا، يرفع شعار: فيتنام واحدة لا تكفي لهزيمة أميركا. حاربت كوبا ضد أميركا في إفريقيا، وحارب غيفارا ضدها في بوليفيا حتى الموت.
لكن 90 ميلاً بين ميامي وجزيرة السكر والسيجار (وغوانتانامو ولحية كاسترو) جعلت كوبا البلد الأحسن في العالم طبيا والبلد الذي تجوب شوارعه تاكسيات «فورد أبو دعسة»!
هل كانت نيكاراغوا ـ أورتيغا مشروع كوبا ثانية، أو فنزويلا ـ تشافيز كوبا ثالثة، أو بوليفيا ـ موراليس كوبا رابعة؟
الرئيس الـ 44 الديمقراطي للولايات المتحدة، باراك أوباما، على خطى الرئيس الـ 28 وودرو ويلسون الديمقراطي، صاحب شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها بعد ويلات الحرب العالمية الأولى.
يقولون أميركا (أميركو فيسبو تشي) كأنهم يعنون الأميركيتين أو الثلاث أميركيات (الشمالية والوسطى والجنوبية) لكنهم خارج أميركا الشمالية يقولون إن أميركا هي بلاد «اليانكي» لذا قالوا في كوبا: أميركا (نو) كوبا (سي).
بالمصافحة في قمة الأميركيتين بين كاسترو الصغير راؤول، غير الملتحي، وأوباما ستمهد لرفع الحصار عن كوبا، وتطبيع العلاقات معها، وربما إيجاد حل لمشكلة قاعدة غوانتانامو في كوبا التي تستأجرها أميركا حتى العام 2020، وصارت معتقلاً أميركياً للإرهابيين العالميين بعد ضربة نيويورك.
الرئيس الأميركي جيمس مونرو أعلن في العام 1823 «مبدأ مونرو» ضد الاستعمار الأوروبي لبلاد الأميركيتين، أو «أميركا للأميركيين» بمعنى الأميركيتين للولايات المتحدة، فصارت أميركا الوسطى والجنوبية «محمية» للولايات المتحدة وحكراً على نفوذها.. من المكسيك المجاورة حتى تشيلي في أقصى أميركا الجنوبية، بواسطة رؤساء ديكتاتوريين عملاء لواشنطن.
تشيلي ـ ألندي برهنت على ديمقراطية وأدتها أميركا وفنزويلا كذلك، والبرازيل، أيضاً، ونيكاراغوا الثورية ـ أورتيغا انتصرت بالقوة ثم هزمت أميركياً عبر الصناديق.. وبقيت كوبا عالقة في حلق أميركا 60 عاماً. حوت غص بسمكة صغيرة!
بعد المصافحة بين راؤول وأوباما قال الأخير: هذه نهاية للتدخل الأميركي في شؤون دول أخرى، أي نهاية لدور «الشرطي» الأميركي.
بدلاً من الغزو العسكري لخليج الخنازير، ستشهد كوبا «غزواً ناعماً» من الرساميل الأميركية، ومن السيارات الأميركية الحديثة.. ومن السياح الأميركيين الذين يعشقون دفء كوبا وسيجار هافانا.
في مياه كوبا الدافئة انتهى آخر فصل من فصول أو أذيال «الحرب الباردة» بين المعسكرين.. وربما انتهى زمن الرومانسية الثورية الغيفارية التي ألهمت الفدائيين، وبدأ عصر الإرهاب ومقاومة الإرهاب.. وحروب التدخل الأميركية، أيضاً.
في إسرائيل يسألون أوباما: أين إنجازات سياستك الخارجية؟ وفي باناما أعطى أوباما جواباً هو: «لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة» هذا إنجازه التاريخي، بعد نصف إنجاز مع إيران في لوزان.
أميركا والأميركيون لا يكرهون كوبا، بل كوبا فيديل وخطاباته أربع ساعات وغيفارا، لا يكرهون إسرائيل، بل لا يحبون الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولا نتنياهو.
ماذا سيفعل أوباما لحل مشكلة أقدم من مشكلة كوبا، أي «حل الدولتين» في فلسطين وإسرائيل؟ شو يعني: مع دولة إسرائيل وضد سياسة الاحتلال؟