حسن البطل
«إذا عُرف السبب بَطـُلَ العجب» ومن ثم!، عرفت نصف السبب قبل زيارتي السابعة لبريطانيا منذ أوسلو (وجميعها عائلية) حيث قرأت أن المملكة المتحدة تعاكس الميل الديمغرافي الأوروبي العام، من حيث ضعف المولودية.
بالنتيجة؟ ستصبح هذه البلاد أكثر بلدان أوروبا الغربية سكاناً بعد عدة عقود، فتزيح ألمانيا عن الصدارة الديمغرافية الأوروبية، بينما تحافظ فرنسا على مكانتها كأكبر دول أوروبا الغربية مساحة.
عجبي كان كبيراً، لما علمت أن الولادات في بريطانيا في العام 2014 فاقت الولادات في ما سبق من سنوات.. وبنسبة 30%؟
يمكن تفسير هذه «الطفرة» الديمغرافية» جزئياً، بكثرة ولادات الأقليات العرقية المتجنسة، وبخاصة الأفريقية والآسيوية، لكن بعض السبب يعود في كثرة الزيجات المختلفة بين البريطانيين، رجالاً ونساء، مع باقي الأقليات، وبعضه الآخر يعود إلى «طفرة» الإنجاب لدى العائلات البريطانية البيضاء.
هذا تغيير ديمغرافي بريطاني يشذّ عن الاتجاه الأوروبي العام، لكنه على صعيد تداول الحكم لا يشذّ عن الحكومات الائتلافية الأوروبية. فللمرة الأولى منذ العام 1945 تشكّلت في بريطانيا حكومة ائتلافية (محافظين ـ أحرار)، بعد فوز حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون في انتخابات أيار 2010، ولكن دون إحراز غالبية تمكنه من الحكم منفردا (306 مقاعد للمحافظين و258 للعمّال).
هكذا، حصل ائتلاف غريب بين حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار، الذي يقف على يسار حزب العمّال، وبنتيجته صار هذا الحزب الثالث، بزعامة نيل كليغ، نائب رئيس الوزراء، مع خمس حقائب وزارية.
كثيرون من أعضاء حزب الديمقراطيين الأحرار، وبينهم زوج ابنتي، انسحبوا منه بسبب هذه «الخيانة» التي كانت بمثابة «نص نعل» لحذاء حزب المحافظين.
هل سيحرز حزب العمال، بزعامة «الشاب» إد ميلباند، ثأره في انتخابات نيسان 2015 كما تشير استطلاعات الرأي، أو أنه سيضطر إلى التحالف مع حزب الديمقراطيين الأحرار، كما فعل حزب المحافظين (يعني: كما يتحالف الليكود والعمل في إسرائيل مع أحزاب دينية).
على خلاف عادتهم، خرج بعض البريطانيين إلى الشوارع والساحات احتفالاً للتعبير عن فرحهم بموت مرغريت تاتشر عن 87 سنة، وهي أقوى زعيمة للمحافظين منذ ونستون تشرشل، وأول امرأة تصل إلى رئاسة الحكومة (امرأة ملكة ورئيسة حكومة ـ امرأة)، كما أنها الأطول حكماً (1979 ـ 1990) وهي المعروفة، بريطانياً وعالمياً، بـ «السيدة الحديدية» وسياستها الاقتصادية الليبرالية، التي حطّمت نفوذ النقابات العمّالية القوية، وكان لها دور في انهيار الاتحاد السوفياتي؟
في المقابل، حزن البريطانيون على وفاة العمّالي المخضرم توني بن عن 88 سنة العام المنصرم 2014، وهو الزعيم السياسي الأكثر شعبية، وصديق الفلسطينيين، والذي عارض حرب الخليج 2003، على العكس من رئيس الوزراء العمّالي توني بلير، وتحالفه مع رئيس أميركي محافظ.
لبريطانيا سياسة تحالف مستقرة مع الولايات المتحدة، أياً كان الحزب الذي يحكم البلدين، لكن للحزبين الكبيرين البريطانيين سياسة أوروبية مختلفة بعض الشيء، وسياسة اقتصادية وداخلية مختلفة بشكل أكبر، وبخاصة الموقف من المهاجرين إلى بريطانيا، حيث يميل المحافظون إلى التشدد، ومن المحتمل إذا فاز «العمال» أن تعترف بريطانيا، رسمياً، بفلسطين دولة، وهذا أهم اعتراف بريطاني لأسباب تاريخية.
بريطانيا، التي أدارت سياسة العالم لفترة قرون، تدير مشاكلها بنجاح، ومنها حل مشكلة ايرلندا المزمنة، وكذلك بقاء اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة، بعد فشل الاستفتاء على استقلال اسكتلندا.
خلافاً لدول أوروبية أخرى تخلو بريطانيا من يسار منظم ومتطرف، وكذا من يمين منظم فاشي متطرف، ومن تعدد الأحزاب السياسية، فإمّا حزب يمين وسط (محافظ) وإمّا حزب يسار وسط (عمّال) والجديد هو شراكة حزب ثالث أكثر يسارية في حكومة حزب المحافظين.. ولم تعد وجبة الفطور هي «الفطور الإنكليزي».
ميزان الردع
لإسرائيل سياسة أمنية مع الدول المجاورة قوامها «ميزان القوى» الاستراتيجي، وهي سياسة ناجحة، ولها سياسة أمنية إزاء الحركات المسلحة غير النظامية قوامها «ميزان الردع» .. وهي سياسة فاشلة في فلسطين ولبنان.
السلطة غير مردوعة سياسياً، وغزة وحزب الله غير مردوعين عسكرياً.