حسن البطل
.. فاعلم:
أنك لو جدّلت ريش النعام، وشددته شداً، لجعلته في يديك مرساً، وبه قد تسوط ظهر من تريد أن تسومه مرّ العذاب.
.. فاعلم:
أنك لو نجوت من مسغبة، وأنت في الرمق الأخير، ثم أولمت خبزاً وماء وفيرين، فقد تقود نفسك (الهالكة، في كل حال) الى هلاك عاجل، لأن الحنطة التي لا يقدر انسان على العيش من دونها (واضرابها من الحبوب)، لا يستطيع الانقطاع مرغماً زمناً.. ومن ثم الاقبال عليها، فجاءة، اقبال الطغام على الطعام. قد يقتلك الخبز.. وقد يُدمي سوط من ريش النعام جلد ظهرك.
.. فاعلم:
لا تأخذ القول: «فسّر الماء بعد الجهد بالماء»، بما يجعلك تستهين بمعجزة في الماء تُضيف عبقرية وجلالاً للآية الكريمة «وجعلنا من الماء كل شيء حي».
ماء البحر المحيط، والنهر الجاري، والبحيرة الراكدة .. وما تحت الارض من مكامن، قد لا يوزن بأكثر من معشار عشر الوزن الكلي لهذه الكرة السابحة، وان تسطّح ماء لجاجاً على ثلاثة ارباع قشرتها.
إنك لواجد شموساً في هذا الكون السحيق، بأكثر مما تجد كواكب سيارة حول الشموس. فإذا فتشت عن كواكب سيارة في أبعد مجاهله، فلن تجد معادلة البر - البحر كما على جنة الارض هذه.
انك لو درست عناصر الفيزياء، الطبيعية منها او المخلّقة مختبرياً، فلن يتوفر لك سوى عنصرين ثالثهما الماء، لهما الخواص الفيزيائية (لا الكيميائية) التي للماء.
.. فاعلم:
أنك لولا اعتبرت الماء شذوذاً فيزيائياً نادراً، ما وجدت في الطبيعة عنصراً يتوافر في الحالات الفيزيائية الثلاث: سائلة، غازية.. وصلبة، وتبعاً لفروقات حرارية غير متطرفة تتراوح بين انجماد الماء في حرارة الصفر المئوية، وغليانه (في مستوى سطح البحر) في حرارة المئة درجة. خلافاً لمعظم العناصر الفيزيائية، يتمدد الماء حجماً اذا ابترد، لكنه يخفّ وزناً اذا ابترد. لو كان قانون المواد الفيزيائية يسري على الماء، لأصبح قعر المحيط جليداً؛ بما يجعل الحياة البحرية متعذرة. بما يوقف تيارات البحر الحرورية من أن تنتقل في نطاقات الارض. بما يمنع ظاهرة «بخر الماء»، فيمنع الريح ان تحمل مطر السحاب الى عمق البر، ولما جرت الانهار تعيد للبحر ما اخذته منه.
.. فاعلم:
أن الذي أرسى عرشه على الماء، كان يمتحن عقل المخلوق ان يقدر على إرساء أساس وطيد يفوق صلابة الماء التي تقطع صلابة الماس. ان كوب ماء يحمل ثقلاً في وزن هذه الارض.. ولا ينضغط، لو كان وعاء الماء قادراً على تحمل ضغط الماء، كما يتحمل الماء ضغط وزن الكرة الارضية.
.. فاعلم:
معظم هذا الماء على هذه الارض كان بلورات جليد في أبعد سماء، جذبتها جاذبية الارض المتعادلة بين «الطرد المركزي» و «الجذب المركزي». لا ماء يجري.. لا حياة. لا ماء يتبخر.. لا هواء. لا ماء يتجلد.. لا اعتدال في تطرف الجو.
.. فاعلم:
هذه الشهب والنيازك تحمل -ايضا - المزيد من بلورات جليد الماء الكوني الى غلاف جو الارض.. ورمادا، فيزيد وزن الارض، كل يوم، بما يقدره العلماء 11 طناً، حتى دار الزمان دوراته ملايين السنوات، زاد وزن الارض النوعي عن 5.2 كما هو حالياً، لأن زيادة حجمها قد تجر الى زيادة كثافة نوعها. الشمس تصغر اسرع كما الارض تكبر.. الى حين تنفجر الشمس، فتستعيد الارض اليها.
.. فاعلم:
كوكب المشتري (جوبيتر) قد يبزّ الارض حجماً آلافاً مؤلفة من المرات. لكن، وزنه النوعي الاجمالي اقل كثافة من وزن ماء بحر الارض (وحدة قياسية واحدة). لذلك، فهو لو وضع على ماء البحر المحيط، فإنه سيطفو، كما تطفو معظم الاخشاب (عدا نوع او نوعين). مع ذلك، يقول العلماء: لو عَظُم حجم «جوبيتر» مرتين.. فلربما اشتعل جوفه، فأضاء سطحه، فصار في مجموعتنا الشمسية شمساً صغيرة اخرى، اكثر سطوعاً من القمر.. واصغر منه حجماً بسبب بعد المسافة.
* * *
.. فاعلم .. أخيراً:
أنك تأتي الى هذه الدنيا من غياهب سؤال، وتغادرها الى غياهب جواب. بين سؤال وجواب -في حياتك الدنيا -حاول ان يبقى السؤال في عقلك أكبر من الجواب على لسانك.
اعتدل في الجواب. أسرف في السؤال وألحف. ولا تظنّ ان جوابك ــ مهما بدا مكيناً ــ أقوى حجة من سؤال الآخرين .. مهما بدا لك ساذجاً. كلما ازداد العاقل علماً .. ازداد جهلاً.