البيطــــار

البيطــــار

البيطــــار

 العرب اليوم -

البيطــــار

حسن البطل

«يا خليل هات..؟» نسيت أسماء عدة البيطار، هيهات ان أنسى هيئته، وبالذات، شاربيه «الدرزيين». لأشكال شوارب الرجال أسماؤها، ولأبي خليل البيطار شارباه الدرزيان مثل «شيوخ البياضة»، ربما لأن للديك عرفاً، وللعقرب «زبانة».. وللخيل ذؤابة.. ولشاربي ابو خليل البيطار شيء من هيئة العرف، والزبانة.. والذؤابة.
للخيل الأصيلة، كما يزعمون، شعر ذؤابة وعرف مختلف الألوان، ولذلك البيطاري بشاربيه هيبة الشكل «الدرزي»، وهيبة شيبة البياض.. وهيبة لون أصفر. ليس كلون الحناء.
كان ابو خليل البيطار بيطاراً وحيداً لخيول وبغال قرية دوما.. وما جاورها ايضاً.. انه بيطار ابن بيطار، مهنة واسماً وصفة، لأن اسم ولده الوحيد صديقي في الصف، خليل البيطار.
لماذا له «صفة» البيطار، غير شاربيه المهيبين الدرزيين الأبيضين - الأصفرين؟
كان قليل الكلام، صافناً مثل «الخيول الصافنة» فاذا نطق، من شفتين مطبقتين ابداً على «سيكارة لف» ذات شكل قمعي، قال: «يا خليل هات..» وكما تهز الخيول، التي «يحذوها» بعدته وعتاده، كما يهزّ رأسه: اربع حركات، منها اثنتان للأعلى والأسفل.. واثنتان لليمين والشمال.
بقبضة يده اليمنى أداة ماضية تشبه المنجل (نسيت اسمها مع ما نسيت من العدة البيطارية).. وعلى باطن زنده الأيسر عصبة من الجلد المقوى بالزرد المعدني.. كما المجالدين القدامى (في فيلم سيارتاكوس مثلاً).. وعلى صدره ما يشبه درع الفرسان القدامى من الجلد والزرد.
أصحاب ذوات الحوافر يذهبون بها الى البيطاري، كما تذهب النساء، ذوات الأظافر، الى صالونات. هل لا تشبه عملية «حذو» حوافر الحصان عملية تجميل أظافر الحسان: «بيدكور» و»مانيكور»؟.
ابو خليل البيطار وحده الحذاء، ولابنه خليل ان يلبي نداء «هات يا خليل..»، وفي ساعتي صلاة الجمعة، وخطبتها الطويلة، اقول لصديقي خليل البيطار «هات المسامير».
مسامير حذوة الحصان تحتاج طرقاً وتهذيباً، لتغدو نهايتها مضلعة وحادة، وتاجها له شكل مربع مدبب، او شكل «المعين». كنت اطرق المسامير مع صديقي خليل طرقات غير موفقة، شبه موفقة.. تاركاً له تجليسها بمهارته في الطَرق.
كان ابو خليل البيطار بخيلاً على ابنه خليل، وكان خليل يحصل على خرجيته من طَرق المسامير للأولاد، الذين يلعبون لعبة «البلبل والليطاني». البلبل خشبي، ورأس البلبل المسماري، لا يلبث ان «يغور» في خشب البلبل خلال مباريات الأولاد الحامية. من يهمد دوران بلبله أولاً يخسر اللعبة.
كأي لعبة اولاد، هناك اخيار واشرار، الاخيار تدور بلابلهم طويلاً.. والاشرار، المسلحة رؤوس بلابلهم بمسامير حذوة الحصان المعدلة، يفلقون بلابل الأولاد الأخيار. رمية خطافية قد تفلق بلبل الولد - الخصم نصفين.
كان البيطار الصغير، صديقي خليل، يخصني بأحسن المسامير طرقاً، ليكون بلبلي «فلاق» بلابل الأولاد.. وكان البيطار الكبير يخصّ ابنه خليل بعمل ثالث، غير مناولة العدة، وطرق المسامير، وهو طلي حوافر الخيل والبغال، بعد حذو حوافرها بصباغ اسود لعله «القار» ذو الرائحة النفاذة غير المستحبة.
سأعرف، لاحقاً ان تلك «البويا» السوداء لحوافر الخيل كانت، ايضاً «دواء اسود» من القار لتطهير حوافر الخيل من خدوش عفوية قد تلحق بها اثناء عملية حذو الحافر.
سأعرف، لاحقاً، تفسيراً لموت ابو خليل البيطار، الذي بدا فجائياً (مثل موت والدي الفجائي بسكتة دماغية).
صارت شواربه البيضاء صفراء كلها، وبقيت محافظة على شكلها «الدرزي» المهيب، مثل زبانة عقربين متقاربين. مات اكثر الرجال صمتاً.. البيطاري الصافن!
في حينه، قال لي صديق المدرسة الابتدائية، خليل البيطار، ان والده مات، لأن «صدره خربان». أهلكه صمته، وإطباقه شفتيه على السيكارة، من إشعالها إلى انطفائها.
أتذكره ينفث دخان سيكارته من فتحتي خيشومه فقط، كما تنفث الخيول بخار زفيرها في الأيام الباردة من خيشومها.
كانت للبيطاري الصغير شغلة رابعة ونادرة، وهي «تمليس» جلد الحصان الفحل (الشبّيب)، وتمشيط شعره، ليبقى عريساً مطلوباً في «بروتوكولات» اخصاب الفرس.. التي كنا «نتلصص» عليها، في حقول ظاهر القرية.. فيصرخ بنا الرجال الكبار قائلين: «اولاد بابا حسن.. اولاد رذيلين».
مات ابو خليل البيطار «موتة ربه» او مات بسرطان الرئة.. او احتفظ خليل البيطار بكنية أبيه وجده.. كان صغيراً، ولم يتقن، بعد، حذو حوافر الخيل.
في الصف الرابع الابتدائي، «دشّر» صديقي خليل البيطار المدرسة، و»دشّر» مهنة أبيه. صار «صبي خباز».. وأنا انقطعت، بالطبع، عن لعبة «البلبل والليطاني». اللعبة ذاتها اندثرت.

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البيطــــار البيطــــار



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab