مسرَحَةُ الحرق تتفوق على الابادة

مسرَحَةُ الحرق تتفوق على الابادة

مسرَحَةُ الحرق تتفوق على الابادة

 العرب اليوم -

مسرَحَةُ الحرق تتفوق على الابادة

علي الأمين

القتل والايغال فيه، هكذا هو مشهد حرق الطيّار الاردني معاذ الكساسبة، حيّا حتى صار جسده رماداً. فالقتل العادي، أو الذبح، لم يعد يغري القاتل بشهوة نزع الحياة من جسد القتيل. لكأنّما إشباع غريزة القاتل يتطلّب مزيداً من مضاعفة فعل القتل، عبر هذا التفنّن في التنكيل، بتحويله - اي القتل- إلى صناعة تتجاوز فعل اهدار الروح وتحوّله إلى مشهد راسخ لدى المتلقّي.

الإعدام بالحرق هو محاولة للتفوّق على القتل الذي بات خبراً عادياً في بلادنا، ومشهداً مألوفاً للعالم.

إعدام الكساسبة، بل حرقه بهذا الأسلوب الذي شاهده الملايين أمس، كأنّما هو فعل يريد أن يتفوّق على القتل بالمزيد منه. محاولة لكسر رتابة صدى القتل الذي ألفته آذان المستمعين، ورتابة مشهد الدم الذي اعتادت عليه العيون، لإثبات أنّ للقتل وجوه وفنون وإبداعات يقدّمها مخرجه على مسرح "داعش".

ليس هذا فحسب، بل ثمّة استدراج، من موقع الفرادة في الأسلوب، إلى فنون جديدة من القتل لم تخطر على بال أنظمة الاستبداد، التي برعت في فعل الإبادة والقتل، لكن ليس في فنونه العلنية. والذاكرة السورية غنيّة، كما تلك العراقية، بحكايات الموت والتعذيب في أقبية السجون. لقد تسرّبت صور ومشاهد من هذه الأقبية خلال السنوات الأخيرة. لكنّ نظامي البعث في سورية والعراق كانا يعتمدان على حكايات القتل، التي تروح تتسرّب الى الآذان. والشهادات هي التي كانت تحكي تفاصيل صناعة الجريمة. حكايات الزنازين كانت كلمات تتناقلها النفوس الخائفة قبل الألسن المتهامسة. في حين أنّ "داعش" اليوم لا تريد للحكاية أن تبقى بين الهمس والتواتر، بل تريد أن تستحضر البصر لئلا تترك مجالاً للالتباس. بل يبدأ الخيال من سيناريو القتل الصريح والموثّق والممسرح، ليصطدم بجدار العجز عن إدراك ما خلف المشهد. لكأنّ لحظة البداية هي الختام.

داعش يذهب في اللعبة التي أرادها له أعداؤه ويفاجئهم بتجاوزها. بل هو يستدرج أعداءه إليها. لعبة القتل والإيغال فيه. وهو ليس معنياً بالدفاع لردّ تهمة القتل وردّ ما يقال فيه من أوصاف الإجرام. بل ينمو ويتمدّد في لعبة الثأر التي يشتهيها، ويستبشر بردّ فعل السلطة الأردنية على حرق الطيار، من خلال إعدام رجاله. فالثأر مبتغاه وملعبه الدموي. حرفة القتل والتفنّن فيها مصدر تميّزه وقوّته، هي ساحته، ومركز قوّته. ولأنّه تنظيم عسكري ديني نشأ وترعرع في بيئة تتّسم بطبيعة اجتماعية عشائرية، أوغل في استثمار القهر الاجتماعي المتراكم منذ عقود في هذه البيئة ليخرج في صورة تنظيم لاغٍ لما عداه، رافعاً لغة السيف التي لا يتقن سواها.

داعش بتقدّم كتعبير صريح وفجّ، كما هو مشهد قتل الرهينتين اليابانيتين أخيرا وحرق الكساسبة. هو يعبّر دموياً عن ثقافة الصراع الذي يحكم أطرافه في المنطقة اليوم. يفتقد الصراع المعنى، ليتحوّل إلى مجرّد سلوك تدميري للمجتمعات العربية. فأدوات الصراع مذهبية وقبلية ولا مشروع سيحكم إلا مراكمة السلطة والنفوذ والتحكّم.

داعش سينمو وسط هذا العبث، ولعبة الدم تغريه ومسرَحَة الجريمة، كما يقدّمها إلى العالم بحرق الطيّار الأردني، بهذا الأسلوب الموغل في تظهير فجاجة الجريمة، وإخراجها الناري، سيجعلنا نكتشف كيف أنّ الجريمة التي لا نرى كامل تفاصيلها تخدّر الوعي. و"داعش" في مسرحة القتل كأنّما يخدعنا مجدّداً. فربّما نجح في أن يجعل من مقتلة الكساسبة جريمة تتفوّق في إجرامها على جريمة إبادة السوريين المستمرّة منذ سنوات.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسرَحَةُ الحرق تتفوق على الابادة مسرَحَةُ الحرق تتفوق على الابادة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab