التكفير كنزعة في بنية الاسلام السياسي

التكفير كنزعة في بنية "الاسلام السياسي"

التكفير كنزعة في بنية "الاسلام السياسي"

 العرب اليوم -

التكفير كنزعة في بنية الاسلام السياسي

علي الأمين

في أول محاضرة له في مادة الاجتهاد في قسم الدراسات العليا بالجامعة الاسلامية وقبل وفاته بعامين، بدأ الشيخ العلامة محمد مهدي شمس الدين افتتاح سلسلة محاضرته امامنا، نحن الطلاب بمقولة صادمة لنا المعتدّين بمقولة ان ما يميّز المذهب الشيعي عن سواه من المذاهب الاسلامية الأخرى هو الاجتهاد في استنباط الأحكام والتجديد في الفقه والحياة. قال الشيخ حينها ما مضمونه، اذا كان الشيعة يعتقدون ان مقدار ما لديهم في حركة الفقه والفكر اليوم هو اجتهاد وتجديد، فان هذا المقدار هو موجود لدى معظم المذاهب الاسلامية الأخرى إن لم يكن أكثر. كان الشيخ شمس الدين يريد ان يقول لنا ان التجديد في الفقه والفكر الاسلاميين معتلٌ في كل المذاهب الاسلامية لافرق في هذا الاعتلال بين سنّة وشيعة.

ما قاله الشيخ المجدد شمس الدين يحيلنا الى ان ازمة التجديد في قراءة النص الديني، هي امتداد لأزمة حضارية تعيشها المجتمعات العربية والاسلامية في مقاربتها للحداثة، ويزداد انكشافها الحضاري اليوم بفشلها في مواجهة اسئلة الاجتماع السياسي، فالاسلام السياسي الذي بشرت به تيارات اسلامية سنية بالدرجة الاولى، وشيعية في وقت لاحق، كبديل عن نموذج الدول الوطنية الناشئة بعد انهيار السلطنة العثمانية، وباعتباره البديل الحضاري للرد على المثال السياسي والثقافي والاقتصادي الذي حققته الدول الاوروبية وغيرها من دول لاتنتمي الى المجال الاسلامي، وسبيلا للرد على السياسات الاستعمارية للدول العربية والاسلامية وانهيار دولة الخلافة.

كانت الثورة الايرانية بمشروعها الاسلامي القبلة التي جذبت اليها منذ البدايات تيارات الاسلام السياسي السني، التي رأت فيها ولاسيما تنظيم الاخوان المسلمين انها التجربة التي يمكن من خلالها تقديم نموذج للدولة الدينية الاسلامية في العصر الحديث. لم يكن معظم الفقهاء الشيعة في ذلك الحين يستسيغون فكرة قيام دولة تحكم باسم الدين، وهذا يعود لوجهة نظر لدى معظم فقهاء الشيعة على مرّ العصور تقول ان هذه الدولة لا تقوم بغياب الامام المهدي المنتظر. هذا النموذج خلص لأسباب متنوعة ولكن ذاتية بالدرجة الاولى، الى فشل في تحقيق الأهداف التي تطلع اليها على مستوى تقديم النموذج الاسلامي الحضاري البديل عن النموذجين الغربيين الاشتراكي والرأسمالي، أو في تحقيق مشروع الوحدة الاسلامية. ربما نجح النظام الاسلامي في ايران في تحقيق نفوذ اقليمي، لكنه فشل بالتأكيد في المحافظة على الجاذبية الاسلامية لغير الشيعة لمشروعه وسياساته. لقد فرضت الاولويات القومية والوطنية حقائقها على السياسة الايرانية الخارجية، وفرضت حلّية ما كان محرما في نسختها الاسلامية الثورية، لاسيما على صعيد معايير العلاقات الدولية والاقليمية.

في المقلب الآخر لم يكن الاسلام السياسي افضل حالاً وان لم يتحقق له الحكم في ايّ دولة، لكن المؤشرات التي اطلقتها تيارات الاسلام السياسي بهويتها السنية، اظهرت انها اسيرة النزعة الشعاراتية التي اختصرها شعار "الاسلام هو الحل" وانها لاتحمل بديلا مشجعاً عن الانظمة المستبدة والحاكمة، الاّ مشروع سلطة مستبدة لكن بعنوان اسلامي. ما بقي من الاسلام السياسي هو حقيقة مرة، اي مشروع سلطة وليس مشروعا يقوم على اسس نهضة حضارية للمجتمعات في الدول العربية، وهو ما يحيلنا الى البداية اي الى تجديد الفكر الديني، لاسيما ان القراءات المتعددة لحركات الاسلام السياسي لمفهوم الدولة الدينية يؤول الى حقيقة واحدة لم تخالفها الوقائع ولا حتى ادبيات هذه الحركات التي جعلت من الدين أداة طيعة لتبرير التسلط، من خلال مفهوم التكفير المترسخ في بنيتها الفكرية، فالتكفير ليس سلوكا دمويا، هو نمط تفكير رسخته الثقافات الدينية المسيطرة على الخطاب الاسلامي العام، وهذا الخطاب الذي لم يستطع بعد ان يتجاوز فكرة ان السلطة يقررها الناس باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات لا يميز بينهم الدين.

الدولة الحديثة في نموذجها الديمقراطي التي يتقدم الولاء لها على ايّ ولاء آخر في الحياة العامة، ليست موجودة في عقيدة الاسلام السياسي، الموجود والراسخ في بنية هذا الاسلام السياسي ولاءات مذهبية ودينية تتسم بنزعة التكفير للآخر المختلف سواء كان مسلما ام غير مسلم. نزعة لا تعترف بالمرجعية الحديثة للدولة بل بسلطة الحكم الالهي التي يختصرها فرد او جماعة او حزب.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التكفير كنزعة في بنية الاسلام السياسي التكفير كنزعة في بنية الاسلام السياسي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab