لبنان في مواجهة الشراسة الكورونية والإيرانية

لبنان في مواجهة الشراسة "الكورونية" والإيرانية

لبنان في مواجهة الشراسة "الكورونية" والإيرانية

 العرب اليوم -

لبنان في مواجهة الشراسة الكورونية والإيرانية

بقلم - علي الأمين

على الرغم من انشغال لبنان بكليته، كما العالم، بجائحة وباء الكورونا وتداعياتها التي تشي بكارثة وشيكة يجهد لمواجهتها علّ القدر الإلهي يلطف به، إلا أن الواجب الوطني السيادي، يفرض عليه التنبه جيدا إلى مشاريع تخريبية تُحاك خارج الإقليم من قبل “محور الشر” المتربص به دولة وشعبا ومؤسسات، ويتناوب على تفتيته تاريخيا وتغيير وجهه العربي ووجهته الليبرالية، عبر أذرعه السياسية والعسكرية.

فقد لبنان العديد من ميزاته، وتضاءل دوره السياسي والاقتصادي والثقافي، وها هو اليوم في أشدّ أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية لم يسبق أن شهدها منذ نشأة هذا الكيان الذي لعب دورا حضاريا على مستوى المنطقة العربية، وشكّل حلقة وصل بين الشرق والغرب، وبقي رغم الحرب الأهلية وأهوالها، جامعة العرب ومستشفى العرب وصحافتهم، وجاذب استثماراتهم ومصرفهم، ولم تكن الحريات فيه ترفاً أو سقطة مستعمر فرنسي، بل حاجة وجودية ونتاج نظام اقتصادي وتنوّع ديني وسياسي واجتماعي، ومبرّر وجود هذه الدولة الصغيرة ووسيلة إبداع لبناني متميّز في مجالات شتى.

الحرية ساهمت في تظهير الهوية اللبنانية كمركز تفاعل وحوار ثقافي فكري، وكان لبنان في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، جاذبا لآلاف التجار والصناعيين والممولين العرب، من السوريين الهاربين من نظام التأميم في بلادهم، ومن لاجئين الفلسطينيين، وجدوا في لبنان فرصة لإعادة إطلاق حيويتهم المالية والاقتصادية، بعدما احتلت العصابات الصهيونية أرض فلسطين.

بطبيعة الحال لم تكن الحرب الأهلية في العام 1975، غيمة صيف في سماء صافية، بل ثمة أسباب داخلية تتصل بطبيعة النظام الطائفية وبالهوية الوطنية، وأسباب اقتصادية، وأسباب خارجية لها علاقة بإسرائيل وأخرى متصلة بصراعات إقليمية وجدت في لبنان متنفسا لها.

ليس هنا مجال التوسع في رصد أسباب الحرب الأهلية، بقدر ما هو مجال للتركيز على رسوخ الحريات، التي لم تستطع الحروب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي تقويضها، طيلة 25 عاما من الاحتلال.

لا بل لا يمكن إحالة تجارب المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا إلى هذا الحيّز الطبيعي من الحريات، الذي أطلق المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي والتي نجحت في إخراج الاحتلال من لبنان، في تجارب بدأت متنوعة منذ العام 1982 حتى العام 1990، وانحسر التنوع في ذاك التاريخ لصالح مشروع المقاومة الإسلامية التي أوكلت من قبل إيران وسوريا بهذه المهمة حصرا، فيما مُنع اللبنانيون بقوة الوصاية السورية من أن يقوموا بواجب المقاومة من خارج إطار حزب الله.

مرحلة الوصاية السورية على لبنان، شكّلت ما بعد اتفاق الطائف، بداية إلغاء للخصوصية اللبنانية، وبدأ مسار جديد أداره النظام السوري جعل لبنان مساحة غير آمنة لكل من يخالف النظام السوري أو لا يتوافق مع نظامه، وجرت في المرحلة الممتدة بين العام 1990 و2005 محاولة تقويض مستمرة للنموذج اللبناني في بعده الحيوي والخلاق، بحيث رسخت عربيا وعالميا، صورة لبنان الأسدي حتى لا نقول السوري، أي تم جعل دمشق بوابة الدخول إلى لبنان إلى حدّ كبير، لكن لبنان بقي عصيّا على التدجين وظهرت فيه مقاومات سياسية سعت إلى الخلاص من الوصاية السورية، وشكّلت البطريركية المارونية في ظل البطريرك الراحل نصرالله صفير، رأس حربة المواجهة مع النظام السوري في لبنان.

ما تعرّض له لبنان منذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، كشفته الوقائع التي تلت، والتي أظهرت أن إيران انتقلت من مرحلة العمل تحت الوصاية السورية في لبنان، إلى مرحلة السيطرة شبه الكاملة على لبنان، ولقد أدرك حزب الله، كذراع إيرانية في لبنان، أن عملية السيطرة لا يمكن أن تتم بالقوة العسكرية وحدها، بل لا بد أن يرافق ذلك تقويض لمصادر القوة الطبيعية للبنان، أي استكمال ما قوّضته ماكينة الأسد السورية في لبنان. ذلك أن التنوع في لبنان، اكتسب معناه وحضوره وحيويته الحضارية، من مساحة الحرية التي تمتع بها اللبنانيون، وهي ما وفرت لهم فرص الحضور العربي فيه، وتوق لاستثمارات من دول مختلفة، وكان لبنان لا يزال حتى ذلك العام محافظا، على دوره في جذب العديد من المؤتمرات الاقتصادية والثقافية، وسوى ذلك ساهم الحضور العربي الاقتصادي والثقافي وحتى السياسي، في فرض توازن نسبي في مواجهة شهية السيطرة السورية وما تلاها من عملية الابتلاع الإيراني.

أدرك حزب الله أنه معنيّ بضرب كل مصادر القوة التي يمكن أن تشكّل مصدر خطر مستقبلي على مشروع السيطرة الكاملة على لبنان. كانت الاغتيالات التي طالت شخصيات معارضة له، وسيلة لإحداث الخوف في صفوف الخصوم تمهيدا لتطويعهم، ووفرت مغامرته في العام 2006 ضد إسرائيل، فرصة الانقضاض على الداخل بعد نهاية الحرب التي دمرت لبنان، واستكمل حزب الله سيطرته على الداخل، عبر إطلاق ماكينته العسكرية نحو سوريا في العام 2011، وترافق ذلك مع عملية ترهيب الحضور العربي من خلال بعض عمليات الخطف التي طالت مواطنين عرب وخليجيين، ومع انكفاء الدور العربي شبه الكامل عن لبنان، كان حزب الله يجد في ذلك فرصة للقضم والسيطرة على ما تبقّى خارج تحكمه.

في الخلاصة كان الحزب مدركا أن السيطرة على لبنان، تتطلب القضاء على مصادر قوته، سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو عربية أو مالية، وهذا يعني بالضرورة ضرب مقومات التنوع والحرية أو تقزيمها، بما هي عناصر قوة المجتمع والدولة.

عمدت إيران من خلال حزب الله، إلى تشجيع وحماية قيم الفساد ومنظومته في الدولة، من أجل تقدم مشروع الدويلة التي يمثلها، وعمدت إلى استثمار الشعور الأقلوي، من أجل إحداث خرق نوعي في البيئة المسيحية.

تقزيم لبنان وانتزاع مصادر الحيوية الثقافية والإعلامية، وإضعاف البنية المالية والاقتصادية، وضرب علاقاته مع محيطه العربي، هي أهداف مدروسة وجدية في مشروع النفوذ الإيراني، لأن إيران تدرك أن فرص السيطرة الكاملة على لبنان، لا تتحقق إلا بتحويل لبنان إلى ما يشبه الركام والخراب وهي الحالة الوحيدة التي يمكن لإيران أن تمسك بلبنان، وتتيح لحزب الله أن يطمئن لنفوذه، وتمكن إسرائيل أن تضمن استقرارها طالما أن لبنان والخراب باتا صنوان ولو كانت صواريخ إيران منصوبة باتجاهها، ولكن ما يطمئن إسرائيل أن قواعد هذه الصواريخ الاجتماعية والاقتصادية أوهن من بيت العنكبوت.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان في مواجهة الشراسة الكورونية والإيرانية لبنان في مواجهة الشراسة الكورونية والإيرانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab