من لبنان إلى تونس بين الفتنة والديموقراطية

من لبنان إلى تونس: بين الفتنة والديموقراطية

من لبنان إلى تونس: بين الفتنة والديموقراطية

 العرب اليوم -

من لبنان إلى تونس بين الفتنة والديموقراطية

طلال سلمان

قد لا يكون «الزمن اللبناني»، خاصة، و«الزمن العربي» عامة، ملائماً للحديث عن «الديموقراطية» التي قد تراها الأكثرية، في هذه اللحظة، ترفاً لا يحتمله طوفان الدم المراق، ظلماً وعدواناً، في مجمل الأرض العربية، ولبنان من ضمنها، في الحروب التي تشنها تنظيمات مسلحة بالشعار الإسلامي ضد الناس الطيبين والذين لا مجال للطعن بصدق إسلامهم، خاصة، وبتديّنهم الثابت لأي دين انتموا كطريق إلى الله سبحانه وتعالى.

فبيروت، مركز الدولة، تفتقد الدولة التي يجري البحث، عبثاً، عن رأس لها في العواصم البعيدة، فلا تحصد إلا جواباً واحداً: الإرهاب أولاً..
ومجلس النواب الذي مدّد ولايته مرة، سيعززها بتمديد ثان قريباً، وبمن حضر، لأن «مغيّبي أنفسهم» يريدون جني الربح من دون دفع تكاليفه... ثم يتفرغون بعد ذلك للإشادة بالديموقراطية اللبنانية الفريدة في بابها.

أما الحكومة فتسير بخطى أضعفهم، خصوصاً وأن لكل من وزرائها وجهين: الأول خارج القاعة المهيبة التي يحتشدون فيها متنافرين ثم يحل سحر «الخدمات المتبادلة» فإذا الكل راض عن النتائج ومسيرة التضامن الوزاري... على الشعب!

وأما طرابلس الفيحاء فتنزف أهلها واقتصادها وعمرانها، ومعها أنحاء عديدة من الشمال، ولم يعد يجوز تركها لمن صادر إرادتها بقوة السلاح، وشوّه تاريخها الوطني والعربي النبيل منذ أن كان لبنان وصيّرت فيه.

أما الجيش الوطني فقد تحمّل ظلم الافتراء والتشهير بالمزايدة والمناقصة، والاعتداءات بالقتل وعمليات الاستنزاف المنهكة والتي اضطرته إلى الانتشار بمساحة الوطن، تقريباً... وقد فُرض عليه القتال لاستنقاذ مناطق واسعة في الشمال، فضلاً عن عرسال ومناطق أخرى في البقاع، وتجنيبها مخاطر الفتنة التي نلعن مَن أيقظها.. فلا تؤذيها اللعنات ولا تحد من احتمالات تفجّرها.

بعيداً عن لبنان وهمومه الثقيلة، وسائر العواصم العربية القريبة، شهدت تونس يوم أمس، الأحد، تجربة ديموقراطية تشهد لشعبها بالوعي والحرص على دولته، وعلى وحدته الوطنية برغم انقسام الرأي حول أحزابه السياسية، وفي الطليعة منها «الإخوان المسلمون»، ثم تلك المتحدرة من صلب النظام البورقيبي وتراثه «المدني» الذي كاد يدمّره حكم العسكر.

ولقد أعاد المشهد الديموقراطي في تونس إحياء الأمل بحضور الشعب وبوعيه وحرصه على إنجاح ثورة التغيير، من دون طوفان من الدماء.
ازدحم «التوانسة»، رجالاً ونساءً وفتية تلمع عيونهم بالأمل، أمام مراكز الاقتراع، وقد تقبّل بعضهم بعضاً برغم الخلاف العقائدي والاختلاف السياسي، وتقدموا إلى «الصناديق» ذات السحر، بأوراقهم التي ستحدد نواب مجلسهم الجديد، من بين مئات المرشحين وبينهم نسبة مؤثرة من «الإسلاميين»، «إخواناً» بالدرجة الأولى، ثم «سلفيين» و«صوفيين»، فضلاً عن «الوطنيين» و«القوميين» وبعض الشيوعيين أو التقدميين عموماً...

مرة أخرى، يثبت «الشعب» أنه أرقى من الطبقة السياسية التي تتصدر الحياة العامة، وأنه حين يمتلك حريته بالثورة سيحدد الطريق إلى تقدمه، بهويته الأصلية، ومن دون أن يغترب عن ذاته مهما بلغ إعجابه ـ المتأخر ـ بمستعمره السابق، أو بمشروع «مرتهن إرادته» في غده، إذا غفلت عنه عيون الثوار الذين لما يخلوا الميدان...

إن الشعب أعظم وعياً مما يظنون... لكن الطبقة السياسية احترفت تقسيمه وتفتيت وحدته بالمصالح عموماً، وبالطائفية أحياناً، وبالدين ذاته حيث الأكثرية مسلمة فإذا المسلم غير المسلم برغم إعلانه «الشهادتين»!

وهذا لبنان «المتقدم»، الراقي، الذي يعتبره سائر العرب «طليعة» في استنارته وفي حداثته، ما زال متخلفاً في وعيه السياسي بدليل أن مستثمري الغرائز الطائفية والمذهبية يجرونه إلى حيث لا يجب أن يكون، ويلعبون بميزته العظمى، أي هذا التنوع والتعدد في الأديان والمذاهب والمعتقدات، لكي يفرضوا عليه مناخ الحرب الأهلية.. باستمرار.

والحرب الأهلية هي أخطر استثمار للطبقة السياسية: تخيف الناس بها، على مدار الساعة، فيستسلمون لها حتى لا تكون فتنة تذهب بمستقبل أبنائها وبالبلاد جميعاً.

... ولقد تخطى الشعب التونسي مخاطر الفتنة، أو هذا ما تشير إليه الانتخابات، وبعض الفضل يعود إلى أن الطبقة السياسية، بقديمها التقليدي، وبجديدها العائد من المنافي أو الخارج من تحت الأرض، ونعني بهم «الإخوان» وبعض السلفيين والبورقبيين قدموا مصلحة بلادهم على منافعهم الخاصة والحزبية، وانتبهوا ـ عبر التجربة ـ إلى أن «من استعجل الحكم قبل أوانه عوقب بحرمانه منه».

ولنأمل أن تعم خيرات تونس الديموقراطية الوطن العربي جميعاً كبديل من الحروب الأهلية التي تتبدى وكأنها قدرنا في هذه اللحظة.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من لبنان إلى تونس بين الفتنة والديموقراطية من لبنان إلى تونس بين الفتنة والديموقراطية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab