بين «استقلال القرار» ووحدة الوطن والدولة

بين «استقلال القرار» ووحدة الوطن والدولة!

بين «استقلال القرار» ووحدة الوطن والدولة!

 العرب اليوم -

بين «استقلال القرار» ووحدة الوطن والدولة

طلال سلمان

تتهاوى الدول في منطقتنا نتيجة المغامرات الخارجية أو الخلافات الداخلية، فلا يأخذنا الخوف على دولتنا بل يندفع بعض الممتلئين غروراً برسوخ الكيان وثبات النظام إلى المطالبة «بالاستقلال السياسي» للمسيحيين في فيدرالية لهم وحدهم «تجاور» الفيدراليات الطائفية الأخرى مع استقلال بقرارها السياسي عنها.

ويشتط بعض قيادات المسيحيين في لبنان إلى حد التعامل مع الدين كهوية سياسية في منطقة تتفجر بهذا الحَوَل الذي استولد حركات أصولية إسلامية تيسر لها دعم جهات عربية وأجنبية فأمدّتها بالسلاح والمال لتقاتل «أنظمة» مخاصمة بقصد تطويعها وتدجينها، فإن استحال ذلك فالعمل على إسقاطها ولو بالمذابح الجماعية وتدمير المدن والقرى ونهب الثروات الوطنية للدول المعنية، لا سيما النفط والغاز (العراق، سوريا، ليبيا واليمن ـ كدول وليس كأنظمة حكم..).

ولأن الوجود المسيحي في المنطقة عريق وأصيل وثابت فهو من ركائز هويتها ومصدر غنى لوجدانها وبالتالي لثقافتها، وبالتالي فإنه غير قابل للانفصال عنها، فهو منها وفيها ليس طارئاً ولا مستورداً، والأهم أنه لا يقبل التلفيق ومحاولة التنصل من الهوية العربية الجامعة لأهله، كمثل الادعاء أن لبنان «ذو وجه عربي» كما نص البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الأولى (1943).

لقد أُسقِطت «الدولة» في لبنان بالحرب الأهلية، لكن «النظام» استعصى على السقوط، فأعيد بناء الهيكل بحجارة النظام ووفق قواعده التي تتعامل مع اللبنانيين بطوائفهم وليس بأديانهم فحسب.

بل إن الحرب الأهلية قد أسبغت العصمة على «الطوائف» فباتت ركائز أساسية للنظام، وأعيد تقسيم كعكة الدولة على ثماني عشرة طائفة وإن ظلت القاعدة تعتمد الطوائف الست الكبرى كركائز للدولة، لكل منها مواقعها النافذة التي لا تُمس، بينما تعطى الطوائف الصغرى جوائز ترضية.

ثم إن إعادة صياغة مواقع القرار في السلطة قد حوّلت الدولة إلى مجموعة كانتونات طائفية، بل مذهبية، تقوم حول كل كانتون أسوار مكهربة، فإن حاول أحد اختراقها أو تجاوزها صعقته بذريعة حماية الاستقرار والتوازن وسائر شروط الوحدة الوطنية.

وبرغم مرور ستة وعشرين عاماً على اعتماد اتفاق الطائف الذي أعاد صياغة الدستور وأدخل تعديلات جوهرية على مواقع القرار في السلطة (الحكومة)، فإن القوى التي جاهرت باعتراضها على ذلك الاتفاق الذي يفترض أنه شكل إعادة تأسيس لهيكلية السلطة بوصفها مصدر القرار الوطني الجامع، قد عادت اليوم تهدد بالشارع وهي تنادي للخروج عليه ولو عبر صيغة ملتبسة عنوانها فيدرالي وجوهرها أن «يستقل» المسيحيون بقرارهم، عبر تمكينهم من اختيار «ممثليهم» في المناطق التي يشكلون أكثرية فيها.. وصولاً إلى «انتخاب رئيس» من بين مرشحين اثنين، ثم يعرض «على الشركاء في الوطن»، أي المسلمين لاختيار أحدهما... وهكذا يكون «الرئيس العتيد» ممثلاً بالأساس لأكثرية المسيحيين، ومن هذا الموقع يكون مصدر القرار وليس مجرد توقيع على قرارات يتخذها غيره وتفرض عليه المصادقة عليها خلال مهلة محددة، وإلا أصبحت نافذة من دون ذلك التوقيع!

إن المنطقة جميعاً مهددة بمخاطر وجودية قد تذهب ببعض دولها وقد تعدل في صيغة «الدولة المركزية» في بعضها الآخر، وقد تقام فيدراليات طائفية داخل دول اتحادية هنا وهناك. فمستقبل العراق بحسب التقديرات ثلاثة كانتونات طائفية وعرقية في دولة كونفيدرالية (شيعية وسنية وكردية.. إلا إذا أصر مسعود برازاني على الاستقلال بكانتونه للمساومة على حصة أكبر من الدخل الوطني العام).. أما سوريا التي تتوزع أنحاءها الآن مجموعة من القوى الأصولية المسلحة («داعش» في الشرق، و»النصرة» مع رعاية تركية في بعض الشمال، وخليط هجين من التنظيمات المدعومة سعودياً وقطرياً مع رعاية إسرائيلية في الجنوب)، فما تزال دولتها المركزية تستعصي على السقوط.. لكن هذا لم يمنع من الحديث عن دولة كونفيدرالية من ست «ولايات» على قاعدة طائفية أو عرقية، (أخذاً بالاعتبار الأكراد.. مع اشتراط أن تبقى دمشق العاصمة ومركز القرار..).

والسؤال الذي يفترض أن يطرح نفسه على المسيحيين في لبنان: هل الذهاب إلى الحد الأقصى من الانفصال عن سائر «مكونات» الشعب اللبناني يحقق المطالب التي يستنجدون بالشارع لفرضها، أم أن مثل هذه الاندفاعة المرتجلة التي تستبطن معركة رئاسة الجمهورية سوف ترتد سلباً على «الصيغة»، أي وحدة هذا «الشعب العظيم» المعرضة دائماً للامتحان، في غمار ما يدبر للمنطقة جميعاً في غياب أهلها؟
... مع الأخذ بالاعتبار أن إسرائيل سيكون لها الآن حق الفيتو، حول «دول المشرق العربي» العتيدة، طالما أنها ستكون بمجملها، دولاً تقوم على قاعدة دينية (لا يهم هنا التقاسم المذهبي) مثلها؟!

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تخطَّوْا الخطَ الأول؟

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين «استقلال القرار» ووحدة الوطن والدولة بين «استقلال القرار» ووحدة الوطن والدولة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab