دول المشرق تتهاوى فتأكلها الطوائف

دول المشرق تتهاوى فتأكلها الطوائف!

دول المشرق تتهاوى فتأكلها الطوائف!

 العرب اليوم -

دول المشرق تتهاوى فتأكلها الطوائف

طلال سلمان

يغرق المشرق العربي عموماً من الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط وحتى الحديدة في اليمن على ساحل البحر الأحمر، بدماء أبنائه، من دون أن ننسى ما يسيل من دماء في الحرب على الإرهاب في مصر بعنوان سيناء، وعبر عمليات متفرقة في القاهرة وأنحاء أخرى في عمق الصعيد وصولاً إلى السياح في الأقصر.
أما في ليبيا التي ضاعت معالم خريطتها بعدما مزقتها حروب القبائل والأعراق، فقد فاقمت من خطورتها المذابح المنظمة التي ترتكبها «داعش»، وصولاً إلى تونس التي تهزّها بين الحين والآخر عملية قتل جماعية تستهدف دولتها التي لم يستقر الحكم فيها بعد على صيغة تلبي تطلعات الانتفاضة المجيدة التي حملت اسم من أطلقها بإحراق نفسه محمد البوعزيزي.

وبالتأكيد، فإن ما يتكبده العرب من خسائر في الأرواح وأسباب العمران في هذه «الحروب ضد الذات»، بمعزل عن الأسباب المباشرة لكل منها، وتأثيرات دول الخارج فيها، تزيد أضعافاً مضاعفة عما تكبدته هذه الشعوب في انتفاضاتها منذ بداية القرن الماضي من أجل استعادة هويتها القومية، ولو في كيانات سياسية متنافرة رسمتها المصالح الأجنبية دولاً شتى تحمل في أحشائها أسباب تشققها وتصادمها بما يبقيها هشّة على الدوام.
في المقابل، فإن النظام في لبنان، الذي كان وما يزال وسيبقى معادياً لطموحات شعبه، برغم البريق الذي يستمده عبر مقارنته بالأنظمة الحاكمة في دول عربية أخرى، فإنه يستعصي على السقوط حتى لو كان الشعب بغالبيته يعارضه ويعترض عليه وينادي بإسقاطه، لأن هذا النظام «مدوَّل» تماماً على غرار «الكيان»، فكلاهما يبرر الآخر ويبقى ببقائه، قد يهتز وقد يتهالك، ولكنه لا يسقط.. والبقاء لله!

إن الحرب في سوريا وعليها تجاوزت في مخاطرها الآثار المدمرة للنزيف الدموي اليومي على صورة الدولة إلى تهديد الوحدة الوطنية للشعب السوري، الذي كان على الدوام طليعة في نضال أمته من أجل الحرية والاستقلال الوطني والوحدة القومية.
وبالتأكيد، فإن الصور التي تطالعنا على مدار الساعة لطوابير الهاربين من أوطانهم المهددة في وجودها، وأولها سوريا، تشير إلى أن سوريا التي عرفناها على امتداد قرن كامل لن تعود هي هي، حتى لو توقفت الحرب فيها وعليها اليوم أو غداً.

لقد اختلف كل شيء في هذه الدولة التي عاشت قلقة على الدوام. فشعبها الذي كان طليعة الحركة القومية العربية بهدف الوحدة أو الاتحاد قد عاد أو أنه مهدد بالعودة إلى عناصر تكوينه الأولى: لم يعد، في نظر نفسه أو في نظر العالم، شعباً واحداً موحداً وراء طموحه إلى غد عربي أفضل، أو إلى دولة قوية وقائدة أو، في أقل تقدير، دولة مؤثرة في محيطها. بل إن «العالم» يراه الآن وقد تفكك إلى عناصره الأولى «قومياً»: عرب بدو وحضر وأكراد وسريان وتركمان إلخ ثم إلى «سنة» و «علويين» و «مسيحيين أرثوذكس» في غالبيتهم، ثم «دروز» و «إسماعيليين» و «شيعة» إضافة إلى أقليات أخرى، «يزيديين» و «صابئة»، امتداداً لأشقائهم في العراق.
ثم إن الشعب السوري لم يعد، بكتلته العظمى، مقيماً حيث كان يعيش آمناً منذ مئات السنين. إنه الآن مقسم وموزع على أماكن لجوء عديدة «في الداخل»، إذ نزح بعضه من مناطق الاشتباك، التي تتسع خريطتها باستمرار، إلى مناطق اعتبرها ـ في لحظة ما ـ آمنة، كما نزح بعض آخر إلى دول الجوار، لبنان (حوالي مليون ونصف المليون) والأردن (حوالي المليون) وتركيا (أكثر من مليون يضاف إليهم مليون آخر ممن يحاولون العبور منها إلى أي مكان يقبلهم في أوروبا، كلاجئين...).
هذا لا يعني أن من تبقى من السوريين يعيشون بأمان، حيث كانوا دائماً داخل وطنهم. فالحرب قد بدلت في الخريطة السكانية تبديلاً خطيراً، فانتقلت مجاميع من أهالي الشمال السوري (حلب وإدلب وجسر الشغور إلخ) إلى «الساحل» وتحديداً اللاذقية وطرطوس وبانياس، كما نزحت مجاميع أخرى من الجنوب (درعا وسائر حوران) إلى دمشق وضواحيها.

هذا عن سوريا فماذا عن العراق؟
لم تتدهور الأوضاع الأمنية في العراق إلى حد الغرق في الحرب الأهلية، لكنه على حافتها. وإذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قد وصل إلى العراق قادماً ـ بطلائعه ـ من سوريا، فإن «كتائب» و «فرق» أخرى قد دخلت من تركيا. على أن كتلة لا يستهان بها من المقاتلين كانت تنتظره في العراق ذاته، وهي تضم مجاميع من رجال عهد صدام حسين (البعثيين) والكثير من العسكريين الذين تم تسريحهم بعد الغزو الأميركي، وفي ظل الحكم الذي ورث «صدام» والذي دُمِغ بطائفية مضادة، وكأن «الشيعة» قد ورثوا «السنة» بمساعدة قوات الاحتلال الأميركي.

ثم إن عراق ما بعد حروب صدام حسين كان مدمَّر العمران، ودولته مفككة وجيشه شبه منحل، وإدارته فاسدة مفسدة، تحت ستار الانتقام من «عهد الطغيان»، دخْلُه من النفط منهوب، وكل ما يتصل بالصناعة ـ حتى النفطية ـ معطّل، والانشقاق الشعبي مريع ومناخ الحرب الأهلية يتكاثف مهدداً وحدة الدولة أرضاً وشعباً.
ومع اجتياحات «داعش» التي أخذت الموصل بلا قتال، وتقدمت في اتجاه بغداد، محاطة بترحيب بارد، أو أقله عدم اعتراض، في المناطق ذات الأكثرية السنية، وتحت شعار «عدو عدوي حليفي»، تعاظم الشرخ بين العراقيين، وصارت الطائفية استثماراً مجزياً، فاتحة الأبواب أمام المزيد من التدخل الخارجي (تركيا والسعودية وبعض الخليج نصرة لـ «السنة» عموماً وللنزعة الاستقلالية عند الأكراد خصوصاً.. ثم إيران التي تختزن مشاعر ثأر قديم من غير السهل تجاوزه تجاه عراق صدام حسين وجيشه، والذي تمّ تسييسه عبر السعي لتوحيد الشيعة وتمكينهم من السلطة تحت رعاية مباشرة من بعض قادة الحرس الثوري الإيراني، أو القيادة السياسية ـ الدينية في طهران متى تعلق الأمر بإعادة تركيب مؤسسات السلطة وأجهزتها العسكرية والأمنية في بغداد).

وبديهي أنه ما كان بإمكان حيدر العبادي أن يتقدم لوراثة نوري المالكي (وكلاهما ينتميان إلى التنظيم السياسي الشيعي ذاته) لخلافة «رفيقه» لولا مباركة طهران.
كذلك، فمن البديهي أن يجد العبادي نفسه عاجزاً عن إكمال «انقلابه» الذي باشره بإلغاء مناصب سامية (نواب رئيس الجمهورية) ودمج وزارات، وإعادة تنظيم الجيش بما يفتح الباب لتعزيز دور «السنة» فيه كما في «الحشد الشعبي»، وفي الإدارة عموماً، مع تقنين صارم للإنفاق الحكومي، ومحاولة حماية الدخل النفطي الذي تراجع بشكل ملحوظ مع تراجع سعر النفط عالمياً.

على هذا، فالعراق الذي كان غنياً بات مفقراً، خزينته فارغة، والدخل القومي بات أقل من الاحتياج، ولا بد من مشروع جبَّار لإعادة الإعمار، بدءاً بالجيش وسائر مؤسسات الدولة، والالتفات إلى المناطق التي كانت مهملة تاريخياً. وكذلك لا بد من حلول سريعة وجدية للتراكم البشري في العاصمة بغداد، التي هربت إليها جموع الفقراء من مختلف المناطق، بحيث صارت ضاحية «الثورة» مدينة كبرى يعد قاطنوها أكثر من عشرة ملايين مواطن، أي ما يساوي ضعف سكان العاصمة بغداد، بينما يغرق الريف الذي يشقه نهران كبيران في الفقر والإهمال والتعاسة التي تفتح الباب أمام «الإرهاب الغني» كالذي تمثله «داعش» أو المنظمات التي أقيمت على عجل بذريعة مواجهتها.
على هذا، فإن قلب المشرق العربي، بل ربما أمكن القول «قلب الوطن العربي» ممثلاً بسوريا والعراق، يعيش مأساة فظيعة لم يسبق لها مثيل: ينزف دماء أهله وعمرانه وخيراته، ولا يجد من يساعده على الخروج من هذا النفق الدموي المفتوح على المجهول.

ولكي تكتمل المأساة فصولاً، فقد جاءت الحرب السعودية (ومعها دول «مجلس التعاون الخليجي») على اليمن وهي حرب شرسة بأخطر الأسلحة تطوراً، بما يعكس غنى الطرف الذي أقدم عليها في مواجهة الدولة الأفقر بين العرب، والتي يعاني شعبها من تداعيات الانقسام السياسي الذي بلغ، في مراحل معينة، حدود الحرب الأهلية. والحرب الجديدة لا توفر سلاحاً حديثاً (أغلى الطائرات الحربية والصواريخ في العالم) في قتال أفقر شعوب الأرض.

وإذا كانت السعودية قد أخفقت في جعل الحرب «عربية» ضد الشعب الأعرق في عروبته من بين أشقائه جميعاً، فإنها قد نجحت في تجسيم الانشقاق إلى حد التبعثر والضياع في الصف العربي الذي لم يعد صفاً واحداً، بل لعله أقرب لأن يكون صفوفاً متواجهة، ففي سوريا تقاتل بعض الأنظمة العربية النظام في دمشق، وكذلك في بغداد، وكذلك في ليبيا وتونس (وإن بنسبة أقل)، وحتى في مصر فإن التنظيمات الإرهابية التي تقاتل في سيناء تجد لها مدداً «عربياً» بصورة أو بأخرى.
أما لبنان الذي يكاد يكو
ن بلا دولة فينتظر أن يحظى بلفتة تساعده على استعادة استقراره المهدد برياح الحرب الأهلية العربية التي تجتاح المنطقة جميعاً، بما يجعل دولة العدو الإسرائيلي الأكثر استقراراً ورخاء، لا سيما مع الاكتشافات الجديدة في مجالات النفط والغاز المسروقة، من مكامن الثروة الوطنية لفلسطين تحت احتلالها ولبنان المحاصر بأزماته التي لا تجد من يحلها وسوريا الغارقة في الحرب فيها وعليها، وصولاً إلى مصر التي نجحت في استنقاذ الحقل الأكبر للغاز بمصادفة قدرية.

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دول المشرق تتهاوى فتأكلها الطوائف دول المشرق تتهاوى فتأكلها الطوائف



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab