«دول» المشرق العربي تهتز نحو سايكس ـ بيكو إسرائيلي

«دول» المشرق العربي تهتز: نحو سايكس ـ بيكو إسرائيلي؟

«دول» المشرق العربي تهتز: نحو سايكس ـ بيكو إسرائيلي؟

 العرب اليوم -

«دول» المشرق العربي تهتز نحو سايكس ـ بيكو إسرائيلي

طلال سلمان

من موقعين مختلفين إلى حد التناقض، تلاقى التخوف الذي يعيشه عرب المشرق مع «النبوءة» التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، مبشراً بأن «ما نشهده اليوم هو تنفيذ لنظام «سايكس ـ بيكو» جديد خطوة تلو الأخرى على حدودنا الجنوبية على وجه الخصوص، فلا يمكن تفسير ما يجري في سوريا والعراق بالعوامل الداخلية فقط. بل إننا نرى محاولات لرسم مستقبل المنطقة بأسرها بما في ذلك بلادنا، عبر مشاريع تتعارض مع تاريخ المنطقة وتركيبتها المجتمعية..».
واتفاق «سايكس ـ بيكو» هو المرجع الاستعماري لتقسيم المشرق العربي. وقد عقده البريطانيون والفرنسيون لتقاسم بعض «التركة» العربية لزمن الاحتلال التركي زمن الإمبراطورية العثمانية التي اندثرت مع الحرب العالمية الأولى، وبالطبع مع أرجحية بريطانية واضحة لأن «بريطانيا العظمى» كانت موجودة بعسكرها في مصر، وفي منطقة الخليج العربي التي كانت مشاعاً فقيراً جداً في ظل شيوخ قبائل يتوزعون «الساحل المتصالح»، وفي بعض العراق وفي البصرة تحديداً باعتبارها أرض التلاقي بين «الرافدين» دجلة والفرات اللذين يشكلان معاً «شط العرب»، وهو أول الخليج الذي كان بمشيخاته منطقة تقاطع نفوذ بريطاني ـ إيراني.
بموجب هذا الاتفاق صُيِّرت فلسطين تحت الانتداب البريطاني مظللاً بوعد بلفور الشهير الذي «أعطى فيه مَن لا يملك مَن لا يستحق»، تمهيداً لإقامة الدولة الإسرائيلية العتيدة فوق الأرض المقدسة. واقتطع بعض البادية السورية ليكون إمارة هاشمية تحت اسم إمارة شرقي الأردن «تعويضاً» للشريف حسين عن خسارته حلم «المملكة العربية»، وخطاً عازلاً لتثبيت الفصل الكامل بين فلسطين وكل من العراق والسعودية، فضلاً عن نزع الهوية السورية عن الأرض والسكان، ليصير شاطئ النهر المقدس حدوداً مفترضة لدولة إسرائيل العتيدة.
بخطوط بالأحمر والأسود تقاسم الاستعمار البريطاني ـ الفرنسي المشترك هذا المشرق، مستولداً كيانات سياسية في المشرق العربي وفق مصالحه، وعبر تقاسم للأرض على قاعدة الأقوى يأخذ أكثر ـ وهكذا كانت فلسطين والعراق (والأردن الذي ابتدع كيانه السياسي كإمارة هاشمية في حينها) «من حق» البريطانيين الذين كانوا أصلاً في مصر.. أما فرنسا فقد أخذت سوريا، بعد رسم خريطة جديدة لها، ثم أعيدت صياغة «الكيان اللبناني» الذي كان الغرب قد فرضه على السلطة، ليغدو «الدولة» التي نعرفها منذ العشرينيات من القرن الماضي كجمهورية قلقة.
لم تكن الكيانات المستولدة تستند إلى معطيات ثابتة في التاريخ والجغرافيا، بل فرضها صراع المصالح فأخذ الأقوى من المستعمرين الأغنى من المناطق ـ وربطت بريطانيا بين حقيقة وجودها في مصر وفلسطين وعبر الأردن مع العراق بحيث باتت لها السيطرة على مجمل دول المشرق القديم الثابت منها والمستولد حديثاً، مع امتداد عبر منطقة الخليج العربي التي كانت مجموعة مشيخات غارقة في عتمة التاريخ والجغرافيا حتى الخليج الفارسي.. على الطريق إلى الهند عبر إيران.
ولأن البريطانيين كانوا أدهى من الفرنسيين، فقد ثبتوا سلطتهم عبر التمكين لإدارة ذاتية قفزت من فوق الأكثرية، كما في العراق، مطمئنة إلى ضعف هذه الأكثرية العددية الشيعية مقابل الأقلية السنية (نسبياً) معززة بالأكراد، مسترضية الشيعة باختيار فيصل إبن الشريف حسين بن علي (ملك الحجاز) ملكاً على العراق، مستفيدة من التباس موقع الأشراف عند العامة بغض النظر عن مذهبهم. وذلك ما ينطبق على الأردن. وكانت ردة فعل الشيعة غضبة مضرية تجسدت في «ثورة العشرين» ضد الاستعمار البريطاني مع رفض المشاركة في الحكم.
أما في سوريا، فقد تصرف الفرنسيون بعقلية استعمارية قاصرة، وهكذا حاولوا ـ في البداية ـ إقامة أربع دول فوق الأرض التي قسمت بالتراضي مع البريطانيين، فكان للشمال بعاصمته حلب دولة ولدمشق ومحيطها دولة ثانية وللعلويين عند الساحل دولة ثالثة ولحمص والبادية دولة رابعة. وعندما هبّ السوريون يرفضون تقسيم بلادهم، منّت عليهم سلطة الانتداب الفرنسي بتوحيد هذه الجهات في دولة واحدة، وإن ظلت تراعي مطامع تركيا في إقليم الاسكندرون، حتى إذا جاءت الحرب العالمية الثانية اقتطعت كيليكيا وأضنة واسكندرون لتعطيها للأتراك، بعد ترحيل معظم أهلها.
كان في كل كيان من هذه الكيانات الوليدة وجوه خلل جدية تبدأ من جغرافيته الطبيعية والبشرية. فالحدود غالباً كثبان من الرمال كما بين العراق وسوريا أو نهر صغير كما بين سوريا وشرقي الأردن الذي كان بعض مساحتها، والسكان على طرفي الحدود أهل، ينتمون لقبائل وعائلات واحدة، يصعب عليهم الاعتراف بأنهم صاروا «شعوباً» في «دول» يفصل بين الواحدة والأخرى أســـلاك شائكة ومخافر حدودية وحرس لبوادي الرمال.
وكان أهل بعض لبنان يعتبرون أنهم اقتطعوا بأرضهم من سوريا وضموا إلى الدولة المستحدثة بعد تكبير كيانها الذي أسس له «الاستعمار» بمتصرفية جبل لبنان بعد فتنة مدبرة بين المسيحيين والدروز. في حين أن الكيانيين كانوا يرون في «الملحقات» أي الجنوب والبقاع والشمال إضافة إلى بيروت ما يهدد «الصفاء» الذي كان يطبع كيان المتصرفية.
وستمضي سنوات طويلة قبل أن يسلِّم المسلمون بالكيان اللبناني بقوة الأمر الواقع كوطن نهائي منفصل تماماً عن سوريا، وقبل أن يسلِّم المسيحيون بلبنانية المسلمين.
في سوريا التي رفض أهلها تقسيمها، مجدداً، أي بعد اقتطاع فلسطين، الأردن وبعض لبنان (وفي وقت لاحق كيليكيا واسكندرون) من كيانها الطبيعي، سيمرّ وقت طويل قبل أن يسلــــِّم أهلها بالأمر الواقع، خصوصاً وأن نكبة أخرى كانت في الطريق: تواطؤ بريطانيا مع الحركة الصهيونية لتسليمها فلسطين لتكون كياناً هجيناً انتزع من أهله بالقوة لإقامة دولة إســــرائيل التي اســـتولدت أقوى من مجموع الدول الــــعربية المحيطة، مخلخلة أمنها ومظهرة ضعفها بل عجــــزها عن أن تكون دولاً مستقلة قادرة على حماية كياناتها المستولدة حديثاً بلا قدرات فعلية، اقتصـــادياً وعسكرياً، تؤهلها للحياة في قلب العاصفـــة الإسرائيلية المعززة بقدرات ساهم في تقديمها الغرب والشرق معاً.
وقامت «دول» كثيرة في هذا الشرق، تحت الاستعمار أو الانتداب الذي سيستمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الأرض قد باتت ممهدة لإعلان قيام دولة إسرائيل قوية وقادرة على إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية جميعاً (المصري والسوري مع مساهمات عراقية ومشاركة رمزية لبنانية وجموع من المتطوعين بالغيرة على بيت المقدس..).
على أن كلاً من هذه الدول كانت تستشعر نقصاً في الجغرافيا (الطبيعية). فسوريا ظلت حبيسة الحسرة على اقتطاع تركيا (اللواء السليب) أي كيليكيا واسكندرون، فضلاً عما أخذ منها للبنان، والعراق ظل حبيس حسرته على اقتطاع الكويت منه، في حين حصَّن النفط المملكة العربية السعودية التي «وحّدها» الملك عبد العزيز آل سعود، كما حوَّل النفط مشيخات الخليج إلى دول: قطر، البحرين، ثم ساحل عمان الذي سيغدو دولة الإمارات العربية المتحدة.
على أن الأمر الواقع فرض نفسه بقوة القهر الاستعماري الذي تحكم في رسم حدود هذه الدول بغض النظر عن مطامح أهلها.
ولقد عاشت هذه الدول قلقاً دائماً وتوجس بعضها من البعض الآخر، ثم سقط الحلم بالتوحيد أو التعديل في الحدود، وصار كل «كيان» يتطلع إلى الكيان الآخر وكأنه بعض أرضه وقد انتزعت منه بالقوة. ثم ثبتت إقامة إسرائيل هذه الكيانات التي أعطاها الخطر الداهم حدودها في الجغرافيا وفي الدور.
وها هي مخاطر الحرب الأهلية التي يعيشها كل من العراق وسوريا تنذر بتفكك الكيانات التي رسمتها معاهدة سايكس ـ بيكو قبل مئة عام، والتي عاشت منذ قيامها حالة قلق جدي عبرت عن جانب منه الانقلابات العسكرية التي توالت على سدة السلطة منذ إقامة إسرائيل، والتي ظل النظام الحاكم فيها أقوى دائماً من الدولة التي غالباً ما منع قيامها.
وإذا كان القلق على دولتي العراق وسوريا يطغى على ما عداه حالياً في ظل مناخات الحرب الأهلية الدائرة رحاها في هذين «القطرين»، فإن لبنان يشهد محاولات لإعادة طرح الفيديرالية على قاعدة طائفية كصيغة لنظامه والتي قد يغري بنجاحها تحول العرب من قوة حماية إلى مصدر للخطر، ليس على لبنان فقط، وإنما على العراق وسوريا قبله.
وحدها إسرائيل تتبدى دولة الاستقرار والمنعة في الأرض العربية، خصوصاً إذا ما انتبهنا إلى القلق التركي كما عبر عنه سلطان العصر الحديث فيها رجب الطيب أردوغان!

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دول» المشرق العربي تهتز نحو سايكس ـ بيكو إسرائيلي «دول» المشرق العربي تهتز نحو سايكس ـ بيكو إسرائيلي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab