من الموصل إلى عرسال

من الموصل إلى عرسال

من الموصل إلى عرسال

 العرب اليوم -

من الموصل إلى عرسال

غسان شربل

تجاوزت أصول اللياقة ووضعت الخريطة في جيبي. تمنيت أن يكون المتحدث مخطئاً. كان ذلك في بدايات صيف 2012 ولم يكن الحديث للنشر. لكنني كنت مهتماً بمعرفة وجهة نظر الرجل الذي يتيح له موقعه اللقاء بصناع القرار في العالم.
قال الرجل إن المعارضة السورية قد لا تستطيع إسقاط النظام بسبب طبيعته وتحالفاته الإقليمية والدولية. وإن النظام قد لا يستطيع سحق المعارضة بسبب طبيعتها والتعاطف الإقليمي والدولي معها. يمكن حينها أن نواجه وضعاً شديد الخطورة. النظام يقيم على جزء من الأرض والمعارضة تقيم على جزء آخر والحرب مفتوحة.
أعرب عن خشيته من أن تصبح كتلة سنية تضم ملايين الأفراد عرضة لإغراءات التطرف. هذا يعني قيام نوع من أفغانستان جديدة لكن هذه المرة على أرض عربية وفي قلب العالم العربي. جدد تخوفه من تفكك سوري طويل الأمد.
سألت مستوضحاً. طلب إحضار خريطة ورسم عليها بقلمه. أشار إلى المناطق التي يمكن أن يحاول الأكراد الإمساك بالقرار فيها. إلى المناطق التي ستشهد تحركات الكتلة السنية. منطقة للنظام ستشهد إصراراً منه على الاحتفاظ بدمشق. سيصر أيضاً على استعادة حمص لضمان الطريق بين دمشق والساحل. رسم خطاً من حمص باتجاه البقاع اللبناني لضمان طرق مفتوحة وآمنة مع العمق الحليف في لبنان. أعرب عن تخوفه من احتكاك طائفي هناك إذا اعتبرت بلدة عرسال السنية شوكة في خاصرة الوضع الجديد أو كانت منطلقاً للقوى المعارضة لهذا الوضع.
قال أيضاً إنه يخاف على لبنان من الانزلاق إلى الحريق السوري. وتمنى لو يتخذ اللبنانيون قراراً عاقلاً بالابتعاد عن هذه النار على رغم اختلاف مواقفهم. وتساءل عن قدرة المؤسسات اللبنانية على احتمال ذيول صراع طويل في سورية.
عندما اعتدى مسلحو «جبهة النصرة» على مواقع الجيش اللبناني في عرسال تذكرت كلام المسؤول العربي وعدت إلى الخريطة المذكورة. حدث ما كان يتخوف منه. حدث ما هو أسوأ إذا أخذنا في الاعتبار ظهور «داعش» في سورية والعراق معاً.
لا شك أن ما تشهده بلدة عرسال خطر بكل المقاييس. يضاعف الخطورة أنه يأتي في منطقة تفاقم التدهور فيها إلى حد فاق بكثير ما توقعه المتحدث.
لا مبالغة في القول إننا نتحدث عن وضع غير مسبوق يمتد من الموصل إلى عرسال. فنحن في هذه المنطقة أمام تراجع سيطرة الدولة المركزية على أراضيها. يمكن القول إن العراق الذي كنا نعرفه لم يعد موجوداً. إننا نتحدث اليوم عن عرب وأكراد. عن سنة وشيعة. عن جزء من العراق يعيش في ظل الجيش مدعوماً بالميليشيات الشيعية. وعن منطقة للعرب السنة استولت عليها «داعش» وأعلنت فيها الخلافة. وعن منطقة كردية تعيش في حماية قوات البيشمركة.
يمكن القول أيضاً إن سورية التي كنا نعرفها لم تعد موجودة. منطقة خاضعة للسلطة يحميها الجيش وجيش رديف وتقاتل إلى جانبها ميليشيات لبنانية وعراقية حليفة لإيران. ومناطق الكتلة السنية موزعة بين «داعش» و«النصرة» و«الجيش الحر» و«كتائب إسلامية». المناطق الكردية تعيش في ظل أمنها الذاتي.
تقلصت سيطرة الدولة المركزية. وارتدى النزاع طابع الحرب الأهلية وسط نزاع سني- شيعي على مستوى المنطقة لم يعد يمكن إخفاؤه. ترافق ذلك مع سقوط الحدود الدولية. ميليشيات عراقية عبرت الحدود لتقاتل إلى جانب النظام السوري. و«داعش» أزالت تماماً علامات الحدود. هذا يصدق أيضاً على الحدود السورية-اللبنانية التي أسقطها من ذهب للقتال ضد النظام أو معه.
أخطر ما في حادث عرسال هو أنه يعلن رسمياً ودموياً إسقاط الحدود واستباحة السيادة لإلحاق لبنان بالمنطقة التي تبدأ من الموصل والتي سقطت فيها الدولة المركزية ومعها التعايش والحدود الدولية.
لا يحق للمسؤولين اللبنانيين أن يصابوا بالذهول أمام ما جرى في عرسال. فما سمعناه من المسؤول العربي سمعناه لاحقاً من مسؤولين وقياديين لبنانيين. إن لبنان جزء من هذا الإقليم الرهيب. وهذا الكعك من ذاك العجين بمخاوفه وانقساماته ورهاناته الانتحارية.
لقد استطاع اللبنانيون الاحتماء نسبياً من نار النزاع السوري على مدى ثلاث سنوات. لكنهم لم يغلقوا النوافذ التي تهب منها الرياح بل ساهموا أحياناً في فتحها. دخل لبنان الفصل الأكثر خطورة. حادث عرسال كشف هشاشة الأوضاع وتدهور العلاقات بين المكونات. تلزم قيادات استثنائية لمنع رياح الموصل من تجاوز عرسال إلى بيروت وطرابلس.

arabstoday

GMT 09:18 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:48 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

السوشيال كريديت وانتهاك الخصوصية

GMT 07:40 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:39 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

من باب المندب للسويس والعكس صحيح

GMT 07:10 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

GMT 07:07 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كرد سوريا وشيعة لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الموصل إلى عرسال من الموصل إلى عرسال



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab