لا تغسل يديك

لا تغسل يديك

لا تغسل يديك

 العرب اليوم -

لا تغسل يديك

غسان شربل

لا تقل أن تونس بعيدة. وأن الرياح الليبية لفَحتها. ومعها الرياح الجزائرية القديمة. ورياح انخراط الآلاف من أبنائها في الحرب الدائرة على ارض العراق وسورية. وأن بلادك بمنأى عما يجري. وأن النار لن تصل اليها. ولا تقل أن الكويت بعيدة. وأن المذبحة التي شهدتها لن تتكرر في عاصمتك. ولا تقل أن فرنسا بعيدة. وأن شروط الهجوم هناك لا تتوافر في المجتمع الذي تنتمي أنت اليه. لا تختبئ خلف أصبعك. ولا تحاول التهرب. الوضع أشد خطورة مما تعتقد. «داعش» يقيم على حدود الخريطة أو يقيم داخلها.

هذه ليست حرباً تدور بين الآخرين وعلى أراضي الآخرين. لا تزعم أن براءتك تحميك. وأن ابتعادك يرد النار عنك. هذه مذبحة جوالة لا تستثني احداً. هذه حرب تعنيك أنت. وتعني أولادك أيضاً. تعني سلامتك. وسلامة وطنك. وأسلوب حياتك. وسلامة أحفادك من بعدك.

لا تغسل يديك لأن القتلى ليسوا من بلدك. أو دينك. أو طائفتك. أو لونك. حيال المذابح الصمت حليف القاتل. ولا تحاول العثور للمرتكب على أعذار. كأن تفتح دفاتر التاريخ وتقرأ عما ارتكب المستعمرون في سالف الحقب. ولا تحاول التبرير أن الجريمة من صنع فقراء ومهمشين اصطادهم متعصبون في لحظة ضعف. ولا تسارع الى إلقاء اللوم على ديكتاتور سابق. لا تبرر. من يقبل بقتل بريء في أقصى الأرض يقبل بقتل كل الأبرياء. من يتهاون بشبر يتهاون ببلاد كاملة. من يتهاون بسنبلة يتهاون بحقل.

لا تقل أن الأمر لا يعنيك. لا تغمض عينيك. ولا تتحدث عن نصف مذبحة لأن ضحاياها ليسوا من طينتك. ولا تحاول تحميل مطابخ الاستخبارات الأجنبية مسؤولية إنتاج هؤلاء الذين يستبيحون الخرائط والمدن والبيوت ويبتهجون بحز رؤوس المواطنين والدول. ثمة استخبارات تحاول الاصطياد في الماء العكر. قد يحدث ذلك. لكن لا تتهرب من الأسئلة الحقيقية. هؤلاء الوحوش جاؤوا من الشقة المجاورة. أو الحي الملاصق. أو المدينة القريبة. أو البلد المتاخم. كبروا في بيوت تشبه بيوتنا. وصلوا في مساجد تشبه مسجد الحي. والسؤال الحقيقي الحارق هو عمّا تعلموه. وفي إي كتب قرأوا. وماذا قالت الكتب. وماذا قال من اجتذبهم وحرضهم وأرسلهم بعدما غسل أدمغتهم. ماذا تعلموا عن الآخر. وحق الاختلاف. وعن الذي لا يشرب من النبع نفسه. ولا يقر تكفير الآخر. ولا يبيح قتله.

لا تغسل يديك. هذه المجازر الجوالة أخطر من 11 ايلول (سبتمبر). «داعش» أخطر من «القاعدة». أبو بكر البغدادي أخطر من اسامة بن لادن. جاذبية «داعش» تفوق جاذبية أسلافه. إنه «دولة». وخليفة. ونفط. وضرائب. انه كائن متوحش يلتهم الحدود ويتفنن في الاعدامات ويوزع الرعب ويشتت الجيوش. انه يلعب بالخريطة. وبالتاريخ. والمستقبل. بالكتب. وأسلوب العيش. وبمصير أولادك. انه عصر الظلمات. وإغراء العودة الى الكهوف.

لا تزعم أنك محايد في هذه الحرب. أنت جزء منها شئت أم أبيت. على نتائجها سيتوقف مستقبل دولنا. وشعوبنا. ونمط حياتنا. وعلاقتنا بالعصر. والتكنولوجيا. وأفكار التقدم. والجامعات. ومراكز الأبحاث.

هذه الحرب مفتوحة. وهي طويلة ومريرة. مفتوحة داخل منازلنا. وفي المدارس. والجامعات. وفي المسجد وعلى أطرافه. وداخل المؤسسات الدينية. والمناهج الدراسية. إنك جزء من هذه الحرب. ولا خيار أمامك غير الانحياز فيها الى معسكر الاعتدال. وقبول ما يستلزمه كسب الحرب من قرارات مؤلمة. من إصلاحات عميقة أو ثورة فكرية شاملة. إنها الطريقة الوحيدة لإنقاذ وطنك وأطفالك. إنقاذ أطفالك من مصير مشابه لمصير من سقطوا في تونس أو الكويت أو مناطق أخرى. لا تتهرب. لا تغسل يديك.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تغسل يديك لا تغسل يديك



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab