سورية وعقاقير فيينا

سورية وعقاقير فيينا

سورية وعقاقير فيينا

 العرب اليوم -

سورية وعقاقير فيينا

غسان شربل

كانت الخريطة السورية المريضة ممددة على الطاولة. وكانت ترشح دماً. استدعاها أطباء دوليون وإقليميون إلى فيينا. تعايش العالم سنوات مع النزاع المدمّر. يستطيع العالم العيش بلا سورية إذا اختارت الانتحار ضمن حدودها، لكن النزاع تجاوز كل الحدود. سجّلت التدخُّلات الخارجية أرقاماً قياسية. مشهد مقلق. جاء مقاتل غريب وأطلق النار على سوري لأنه يؤيد النظام. وجاء مقاتل غريب وأطلق النار على سوري لأنه معارض للنظام. تحوّلت سورية إلى مسرح لحشد من الاعلام والسياسات والحسابات الخاطئة والكراهيات.

كان يمكن للعالم أن يترك سورية تواصل مسيرة النحر والانتحار لولا إطلالتين مدويتين. الأولى إطلالة «داعش» التي أدمت المعارضة أكثر مما أدمت النظام. وإطلالة طائرات بوتين التي أعطت النزاع في سورية بعداً دولياً خطراً. تداخلت الحروب على الأرض السورية، وبدا أن نتيجتها لن تقرر مصير سورية وحدها.

فاضت بحيرة الدم السورية وأقلَقَت العالم. ملايين اللاجئين ينتظرون في مخيمات الأردن وتركيا ولبنان، وأمواج منهم تلقي بنفسها في الحضن الأوروبي القلق، وفي الوقت ذاته تحولت أجزاء واسعة من سورية إلى معاهد لتخريج أجيال جديدة من الانتحاريين والإرهابيين. باتت سورية شديدة الخطورة على المنطقة والعالم معاً، لهذا استُدعيت الخريطة المريضة إلى فيينا.

إنها لجنة طبية إقليمية ودولية. لا خلاف على خطورة حال المريض. إنه مصاب بسرطانات متعددة. الإرهاب والمذابح الواسعة والتدخُّلات. لكن الخلاف هو حول طبيعة العلاج ومراحله، خصوصاً أن بعض الأطباء يشارك مباشرة في القتال السوري، وبين المشاركين مَنْ يقدّم حساباته على حسابات إنقاذ المريض. يريد أولاً إنقاذ مصالحه أو صورته أو دوره.

كان انعقاد اللجنة الطبية الإقليمية الدولية حدثاً بارزاً. للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع تشنُّ طائرات بوتين غارات متلاحقة لا تقتصر أهدافها على «داعش». وللمرة الأولى يجلس وزيرا خارجية السعودية وإيران في لقاء من هذا النوع والخريطة السورية ممددة على الطاولة. وللمرة الأولى تعلن طهران سقوط هذا العدد من جنرالاتها خلال مهماتهم «الاستشارية» في سورية.

ما أصعب إنقاذ المريض حين تختلف حسابات الأطباء. من السهل الاتفاق على وحدة سورية في ظل الديموقراطية وقيادة علمانية واحترام حقوق كل المكوّنات. ومن السهل القول إن المطلوب هو منع انهيار الدولة السورية ومؤسساتها. وما أسهل القول إن الحل متروك في النهاية للشعب السوري عبر الانتخابات. الصعوبة تكمن في إقناع الأطباء أولاً بتوحيد طريقة العلاج، لئلا تتسبّب الجرعات المتناقضة في موت المريض.

مأساة سورية هي أن حربها أكبر منها، وأن العلاج الذي سيُعتمد فيها سيعتبر صالحاً لأكثر من مكان. أكد أطباء فيينا تمسُّكهم بوحدة الأراضي السورية. هذا يعني ترميم الخريطة ورفض تمزيقها إلى دويلات. ولكن، ماذا عن المشهد داخل الخريطة نفسها، وإعادة توزيع القرار بين المكوّنات؟ ولماذا يفترض أن تترسخ المساواة في سورية ولا تترسخ في العراق؟ ولماذا ما يصلح في سورية لا يُطبَّق عملياً في لبنان؟ ولماذا يُنصَف أكراد سورية ولا يُنصَف أكراد تركيا وإيران.

لا يأخذ فريق على طاولة التفاوض ما عجز عن انتزاعه في ميدان المعارك. لهذا يبدو الحل في سورية صيغة لتوزيع الخسائر. والسؤال هو أي سورية ستولَد من هذا العلاج؟ وماذا سيكون موقعها الإقليمي والدولي؟ وماذا عن إيران التي كانت سورية ما قبل الحرب حلقة جوهرية في هلالها؟ وفي أي ظروف يستطيع «حزب الله» العودة من سورية التي كانت قبل الحرب عمقه وسبب تحوّله لاعباً إقليمياً؟

مأساة سورية أن حربها أكبر منها، وأن الحل فيها يعيد رسم موازين القوى الإقليمية على طريق قيام النظام الإقليمي الجديد. أغلب الظن أن العملية لا تزال طويلة ومعقّدة، وتحتاج إلى مزيد من الدم ليرجع المتحاربون ومعهم الأطباء من رهاناتهم وأوهامهم. المسألة أبعد مما بات يُعرف بـ «عقدة الأسد»، على رغم أهميتها. فلكي يتقبّل المريض عقاقير فيينا لا بد من مصالحة مبادئ جنيف مع المستجدات الإقليمية والدولية والميدانية. لا بد من معالجة بعض الأطباء قبل معالجة المريض السوري.

arabstoday

GMT 18:51 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

القمة العربية.. والرهان على النفس أولًا

GMT 18:50 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

اقتراحات للتعامل مع مخطط ترامب

GMT 18:46 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

الوقت الإضافى أم ركلات الترجيح؟!

GMT 18:42 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية

GMT 18:40 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

أوهام سياسية بعد “لسع الوعي الإسرائيلي”!

GMT 18:36 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

أميركا وأحجام ما بعد الزلزال

GMT 18:34 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

من «ريفييرا الشرق الأوسط» إلى المربع الأول

GMT 18:30 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

هلوسات نتنياهو... ومغامرات بعض قومنا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية وعقاقير فيينا سورية وعقاقير فيينا



دينا الشربيني بإطلالات متفردة ولمسات جريئة غير تقليدية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:42 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"
 العرب اليوم - شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"

GMT 03:30 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

هاكر مصري يخترق القناة الـ14 الإسرائيلية

GMT 04:32 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

وفاة ملاكم إيرلندي بعد أسبوع من خسارة اللقب

GMT 13:32 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

عودة شبكة بلايستيشن PSN للعمل بعد انقطاع طويل

GMT 12:53 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

حورية فرغلي تكشف مأساتها وعمرها الحقيقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab