حكم التاريخ والضمائر

حكم التاريخ والضمائر

حكم التاريخ والضمائر

 العرب اليوم -

حكم التاريخ والضمائر

غسان شربل

ماذا يبقى من الحاكم بعد رحيله؟ يبقى حكم يُصدره التاريخ. وحكم يُصدره ضمير مواطنيه. والمعيار الوحيد هو هل ترك الحاكم بلاده ومواطنيه في وضع أفضل من الذي كان قائماً يوم تولّيه؟
دروس التاريخ قاطعة. هذا ما يبقى من الحاكم: المؤسسات التي بنى. الازدهار الذي أطلق. الاستقرار الذي رعى. الطمأنينة التي أشاع. والاحترام الذي أظهره لمواطنيه. والحكمة التي بها قرر في الداخل والخارج.
في العادة لا بد من الانتظار لاستطلاع حكم التاريخ وحكم المواطنين. المشهد الاستثنائي في الرياض يوحي بصدور الحكمين فوراً. هذا يفسّر الوداع المهيب لعبدالله بن عبدالعزيز. ويفسر أيضاً المبايعة الواسعة لسلمان بن عبدالعزيز.
تخطت المشاركة العربية والإسلامية والدولية حدود المسائل البروتوكولية. عبّرت بوضوح عن موقع السعودية إقليمياً ودولياً. عن الثقل السعودي وحصافة إدارة هذا الثقل بالحكم والشجاعة والمسؤولية.
ولا غرابة في ضوء ذلك أن يعدّل باراك أوباما برنامجه ليزور الرياض مؤكداً على العلاقات الاستراتيجية معها، على رغم تباينات تظهر أحياناً في قراءة الأحداث والتعامل معها.
لا يكفي أن يمتلك بلد قدرات هائلة. الأمر الأهم هو قرار التصرف بهذه القدرات وكيفية توظيفها. لا يكفي أن يمتلك بلد دوراً مهماً أو قدرة على التأثير انطلاقاً من ثروته، بل الأهم طبيعة هذا الدور ووضع القدرات في خدمة قيم التعاون والتسامح والمشاركة في صنع السلام.
راودني سؤال ماذا يبقى من الحاكم لأنني عائد من العراق. في ليل بغداد، وعلى شفير دجلة، هبّت عليّ أوجاع العراق. سألتُ نفسي ماذا يبقى من صدام حسين وما هو حكم التاريخ فيه وحكم ضمير مواطنيه؟ يمتلك العراق قدرة هائلة لكنه يرزح الآن تحت ركامه مفكك الأوصال ويستبيح الظلام قسماً غير قليل من أرضه. هل يستطيع عراقي الادعاء الآن أن صدام ترك العراق في وضع أفضل مما كان عليه يوم تسلّمه السلطة؟ لقد صدر الحكمان معاً تحت وطأة أنهار الدم والثروة المهدورة.
في ليل بغداد مر ببالي أيضاً العهد المديد لمعمر القذافي. تمتلك ليبيا ثروة هائلة قياساً بعدد سكانها. كان يمكن أن تكون ليبيا اليوم واحة ازدهار واستقرار. وها هي غارقة في دم بنيها، يضاعفون الخسائر التي ألحقها العقيد ببلاده، بنهجه المتهوّر والميل إلى المغامرة وتوهّمه أن الحاكم يستطيع بالحديد والنار ترتيب صياغة قسرية للحكمين اللذين سيصدران غداة رحيله.
في الداخل كما في الخارج ترك عبدالله بن عبدالعزيز إرثاً هائلاً يستطيع الملك سلمان، وهو كان حاضراً في القرار السعودي على مدى عقود، الانطلاق منه والبناء عليه.
شعور المواطن السعودي أن وضعه الآن أفضل مما كان عليه قبل عقد، يشكّل ضمانة استقرار في وجه العواصف. وشعور أهل المنطقة والعالم أن الدور السعودي ضروري لجبه رياح القطيعة والإلغاء والصدام يوفّر للملك الجديد قاعدة صلبة ينطلق منها في دفاعه عن القضايا العربية والإسلامية والمشاركة بفاعلية على المسرح الدولي.
المرحلة ليست سهلة على الإطلاق. النار تلتهب داخل الضلوع العربية. دول تتآكل وأزمات هوية تقطر دماً. وإرهاب. وظلام. حدود تمّحي ومجموعات تغطي خوفها بالعنف المفرط. لكن الملك الجديد يملك من الإرث الكبير ومن المواصفات الشخصية ما يطمئن السعوديين وغير السعوديين.
محظوظة هي البلاد التي يغيب فيها قائد كبير ولا يخشى المواطن عليها أو على خبزه وعمله ومستقبله. ومسكينة تلك البلدان التي ترى نفسها مهددة بالتواري عن الخريطة حين يتوارى الحاكم.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكم التاريخ والضمائر حكم التاريخ والضمائر



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab