«الخليفة» والأعشاب السامة

«الخليفة» والأعشاب السامة

«الخليفة» والأعشاب السامة

 العرب اليوم -

«الخليفة» والأعشاب السامة

غسان شربل

في جبل سنجار أحصت الإيزيدية المذعورة أفراد عائلتها. كسرت الحصيلة قلبها. من لم يصلوا معها لن يصلوا أبداً. فرت على عجل وتوهمت أنهم فعلوا. لم يصلوا. ابناها. وابنتها. تركتهم في عهدة «داعش». والتنظيم رقيق القلب. يحز رؤوس الكفار. أو يصلبهم. أو يدفنهم أحياء. تركتهم في عهدة «الخليفة». وهو يحب دولته نظيفة. ناصعة. وليس من عادته ترك الأعشاب السامة تقيم في حديقته.

بمن تستغيث الإيزيدية المذعورة؟ لن تنادي نبيل العربي لأن شركته أشهرت إفلاسها. ولن تنادي بان كي مون فهو لا يملك غير دموعه. لن تستجير بالجيش العراقي فقد تداعى أمام «داعش» وأهداه أفضل أسلحته. ولن تنادي البيشمركة فأسلحتهم أقل من حجم المعركة. لم يبق إلا جهة وحيدة. فتحت يديها وقالت: «أين أميركا؟ أين أوباما؟» .

جيمس الهارب من الموصل يغطي دموعه بغضبه. قال إن الموصل أرض أجداده وأجداد أجداده. وإن جذورهم عميقة هناك. وإن عواصف كثيرة عبرت ولم تسرق منهم سقف منزلهم والحديقة الصغيرة. تساءل كيف يحق لـ»أبو هريرة الأميركي» و»أبو أحمد البلجيكي» و»أبو بلال الأسترالي» أن يقتلعوه من أرضه. غاب عن باله أن «الخليفة» يُحب الموصل خالية من الأعشاب السامة. تزعجه الأجراس. وتغضبه الأديرة. وتستفزه المخطوطات. «الخليفة» حساس وصاحب مزاج. لا يطيق طائفة الشبك. ولا الروافض. وأخطر أعدائه سني معتدل يقول إن التعدد ثروة. وإن الإسلام دين التسامح. وإن فرض الزي الموحد جريمة.

لم يقل جيمس إنه يريد العودة إلى الموصل. قال إنه يريد ممراً إلى بلاد بعيدة. يريد الابتعاد عن «الخليفة» ودولته. يريد ممراً إلى الغربة. لهذا قال: «أين أميركا؟ أين أوباما؟».

«الخليفة» جدي لا يمزح. يحتقر الحدود الدولية. والدساتير. والقوانين الوضعية. والانتخابات. وحقوق الإنسان. والمجتمع المدني. وحق الاختلاف. في دولته لا يحق لك أن تشرب من نبع آخر. وأن يكون لك تراث. وأغنية. وكمان. وزي مخالف. وأمام كل هذه الأمراض يملك دواء وحيداً. الإعدام. اللون الآخر يعني عدم المبايعة. الاختلاف يعني التآمر. عدم التطابق يعني التهديد. إعدام.

من أين جاء «داعش»؟ كيف ولد وتحول وحشاً كاسراً؟ وخطراً وجودياً على الدول والمجموعات والأفراد؟ ومن أين هذه القدرات الهائلة؟ والبراعة في الإعلام؟ وإدارة معارك على مساحة آلاف الكيلومترات؟ وبيع النفط وتكديس الدولارات وتصنيع الانتحاريين والعبوات؟ من أين جاء هذا الوباء الأشد خطورة من ايبولا والأكثر قدرة على الانتشار؟.

من حق السيدة الإيزيدية أن تعتبر باراك أوباما مجرماً. سارع إلى الفرار بجنوده تاركاً العراق للموتورين عشاق الجثث المجهولة الهوية والاغتيالات. تناسى أن بلاده نفسها غزت العراق. وأن موظفاً تافهاً منها أمر بحل الجيش العراقي. تناسى المسؤولية الأخلاقية. أنقذ دم الأميركيين وتركنا في بحيرات الدم.

من حق أبناء عشيرة الشعيطات السورية الذين حصد «داعش» مئات منهم اعتبار أوباما مجرماً. تصرف بخفة وقلة مسؤولية في الحريق السوري. أوقع معارضي النظام في الآمال والأوهام. طالب رأس النظام أن يتنحى من دون التوقف عند طبيعة النظام وميزان القوى. وعد المعارضين بالدعم ثم راح يهرب من التزاماته. لم يدرك باكراً خطورة استباحة المقاتلين الأجانب المتشددين للأراضي السورية. لم يوظف ثقل بلاده لفرض حل واقعي. لو أخمد الحريق السوري باكراً لما أطل «داعش» ولما نجح «الخليفة» في اقتلاع الأعشاب السامة. الأسلحة التي بخل بها أوباما على المعارضة السورية وقعت في «الأيدي الخطأ» في العراق. ترسانة أميركية كاملة في تصرف «داعش» أظهرت فاعليتها ضد الأكراد وعلى الأرض السورية.

لا نريد التحامل على «الخليفة». منطقتنا منجم قساة قبل إطلالته. كان الديكتاتور يقتلع من يعارضه. ويقتلع معه عائلته وجيرانه. كان يُرعب الأقليات ليروضها. تبايعه فيمنحها حمايته.

«داعش» شيء آخر. لا يبغي ترويض المختلفين. يريد مسح ألوانهم مرة واحدة وإلى الأبد. لا يطيق منازلهم. ولا راياتهم. ولا نوافذهم. الأقليات أعشاب سامة. الأقليات خلايا نائمة. عيون أبنائها مفخخة. أحلامهم تقارير سرية في خدمة الأعداء. الحل هو الإعدام. والإعدام. والإعدام. الحل اقتلاع الأعشاب السامة.

يخطئ «الخليفة» حين يبالغ في الاحتفال بـ»فتوحاته». رمال هذه المنطقة متحركة ورجراجة وغدارة. لا يتسع المكان طويلاً للعواصف الوافدة من الكهوف. الدهر يومان.

arabstoday

GMT 09:18 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:48 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

السوشيال كريديت وانتهاك الخصوصية

GMT 07:40 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:39 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

من باب المندب للسويس والعكس صحيح

GMT 07:10 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

GMT 07:07 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كرد سوريا وشيعة لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الخليفة» والأعشاب السامة «الخليفة» والأعشاب السامة



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:24 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مي كساب تلحق بقطار رمضان في محطته الأخيرة
 العرب اليوم - مي كساب تلحق بقطار رمضان في محطته الأخيرة

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab