مناجم الفشل والدم

مناجم الفشل والدم

مناجم الفشل والدم

 العرب اليوم -

مناجم الفشل والدم

غسان شربل

أشاهد وأخاف. أقرأ وأخاف. أسمع وأزداد خوفاً. أزور عاصمة فأشمُّ رائحة الفشل والدمّ. أهرب منها فتظل الرائحة عالقة بثيابي. أخاف من مشاهد الركام، من صيحات الثأر، من خِطَبِ الكراهية، من براعة المشعوذين، من العواصف السود تكتسح الخرائط والنفوس.

أسافر. لا أبصر قنديلاً ولا أرى نافذة. من فشل إلى فشل. ومن هاوية إلى هاوية.

مَنِ الذي فشل وفتح باب الانحدار المريع المتواصل؟ هل هي الخرائط التي استحالت سجوناً بسبب يقظة عصبياتنا المسنونة؟ هل ضاق صدرنا بمن يشرب من نهر آخر، ولا يعتنق أناشيدنا؟ هل استقلنا من الحدود والتعايش والجسور؟

مَنِ الذي فشل؟ الدولة الوطنية والدولة المركزية؟ أم تلك المؤسسات الكاذبة التي بُنِيت لخدمة الرجل الذي التهم القصر واستباح البلاد والعباد؟ هل كان الدستور مجرد حبر دجّال يمكن التلاعب ببنوده كلما اقتضت مصلحة سيد القصر تمديد الإقامة، وتبرير فصل جديد من الهيمنة والاستئثار؟

مَنِ الذي فشل؟ هل هي الأحزابُ التي شرِبت من النهر الذي شرب منه الحاكم وأصيبت بأمراضه؟ هل تحوّلت الأحزاب من مشروع حل إلى مشروع مأساة؟ وهل صحيح أنها تريد إزاحة مستبدٍّ لتنصيب مستبدّ؟

مَنِ الذي فشل؟ هل هي المدارس التي اعتقلت عقول التلامذة ودسّت في أوردتهم مياه التعصُّب والانغلاق ورفض الآخر؟ أم هي الجامعات التي استكملت ما بدأته المدارس وتحوّلت مصانع لإنتاج الانتحاريين الذين لا يحلمون بغير الانفجار ببلدانهم وبأي أرض تتاح لهم فرصة استباحتها؟

مَنِ الذي فشل؟ هل هي الكتب التي أغلقت النوافذ بدلاً من أن تفتحها؟ وزرعت المتفجرات عوضاً عن الأسئلة؟ وأوهمت القارئ بوجود حقيقة وحيدة مطلقة، وبأن كل مَنْ لا يسلّم تماماً بتلك الوصفة السحرية هو خائن يستحق القتل أو الصلب؟ ولماذا انضمت أمواج كاملة إلى نهر العتمة وخالَتْهُ الحل والمفتاح؟

مَنِ الذي فشل؟ أين العلماء؟ وأين الكتّاب والشّعراء والفنّانون؟ ولماذا نُبِذَت الأصوات القليلة المخالفة؟ ولماذا أُرغِمتْ على الهجرة أو الصمت أو التواطؤ؟ أين الصحف الرائدة والشاشات اليقِظة؟ ولماذا استولى الظلام على كل شيء؟ ولماذا سرق المتعصّبون المنابر والأضواء واجتذبوا الصغار إلى راياتهم؟

أكتُبُ تحت وطأة الغضب. لماذا فشل اليمنيون في النجاة ببلدهم غداة تنحّي علي عبدالله صالح؟ لماذا فشل العراقيون في بناء عراق ديموقراطي يتسع لجميع أبنائه غداة إسقاط صدّام؟ لماذا فشل السوريون في إبرام تسوية تُجنِّب بلادهم سقوط ثلاثمئة ألف قتيل ومليون جريح؟ لماذا فشل اللبنانيون في انتخاب رئيسٍ للجمهورية على رغم الأهوال الزاحفة عند حدودهم؟

نشهدُ تآكل بلداننا ونزداد رغبةً في النحر والانتحار. تتمزّق خرائطنا ونصُبُّ الزيت على النار. «داعش» كارثة كبرى، لكنَّ الكارثة الأكبر إصرارُنا على مواصلة الرهانات الفاشلة والسِّباحة في الدم. هكذا نُبحِر من هاويةٍ إلى هاوية. نحفُرُ في الماضي بحثاً عن مزيد من الخناجر. نتقاتل بعظام أجدادِنا وعظام أجدادهم... ونُغرِقُ أطفالنا في مناجم الفشل والدم.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناجم الفشل والدم مناجم الفشل والدم



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab