في وداع الأقليات

في وداع الأقليات

في وداع الأقليات

 العرب اليوم -

في وداع الأقليات

غسان شربل

قال السياسي: «لا تقرأ الحاضر بلغة الماضي. العراق الذي كنت تعرفه راح. العراق الحالي أخطر من السابق على نفسه وعلى جيرانه. التهمت العصبيات العملية السياسية. الدولة مجرد غطاء تستكمل تحته الحروب الأهلية وعمليات الفرز السكاني. هناك الشيعة وحشدهم الشعبي. وهناك العشائر السنية التي تخسر مرة حين يجتاحها «داعش» وأخرى حين يحررها «الحشد الشعبي». وهناك كردستان العراق التي دفعت دماً لاسترجاع «المناطق المتنازع عليها». والمعركة بين «الحشد الشعبي» والبيشمركة آتية مهما تأخرت. لا تسأل عن الايزيدين والمسيحيين والشبك فهم إما تبخروا أو أنهم في الطريق».

وأضاف: «سورية التي كنت تعرفها راحت. سورية الحالية أخطر من السابقة على نفسها وجيرانها. يتقاتل السوريون اليوم على حدود المكونات. لا تختصر المشكلة بوجود «داعش». الواقع الذي أنجبه يمكن أن ينجب لاحقاً ما هو أخطر منه. إننا في خضم حرب مذهبية إقليمية. من يمتلك القوة الكافية سيحصل على جزء من حطام الدولة السورية. الأقليات القوية سترسم حدود أقاليمها بالدم. الأقليات الضعيفة سيأكلها هذا النزاع. هل يحق لتونسي من «النصرة» أن يقتل عشرين درزياً سورياً رفضوا الامتثال لأوامره؟ هل سمعت استغاثات العرب والتركمان من ممارسات الميليشيات الكردية السورية التي تقاتل «داعش»؟ إنها تتحدث عن عمليات تطهير وتنظيف. وضع المسيحيين السوريين يذكر بذعر المسيحيين العراقيين».

لامس السياسي جوهر المشكلة. تفككت الدولة المركزية. سقطت الحدود الدولية. التحقت الجيوش بعصبياتها العميقة والميليشيات. سقط التعايش وغرقنا في حروب المكونات. لم يعد السؤال عن الحدود الدولية صار عن الحدود داخل الحدود. أين تنتهي حدود الشيعة في ما كان يسمى العراق؟ أين هي حدود السنة؟ وأين حدود الأكراد؟ أين هي حدود السنة في ما كان يسمى سورية؟ وأين حدود العلويين؟ وأين حدود الأكراد؟ وماذا عن الدروز؟

أتذكر الآن ما سمعته في العراق. قال السائق: «هذا مخيم الايزيديين الذين فروا من جبل سنجار... إنه مخيم من بقي منهم. ينتظرون هنا أبناء تأخروا وأحفاداً لن يصلوا. ويسألون عن بنات تعرضن للسبي ويعرضن الآن للبيع بحفنة من الدولارات». كانت المرأة المسنة تجلس قرب مدخل الخيمة. لم يبق لديها دمع لتغسل تجاعيد وجهها. كانت تنظر كمن لا يرى. خجلت من التحديق في عينيها. رأيت فيهما جبالاً من القهر والذل. راوغت الموت وفرت. لكنه عبقري ومجرب اصطاد من عائلتها ابناً وثلاثة أحفاد. تحاشيت فتح جروحها. طلبت من السائق أن يتابع طريقه.

لاحظ المرافق شدة تأثري. خشي أن اختصر مأساة العراق بنكبة الايزيديين. قال إنه طرد هو الآخر من منزله في بغداد. سألته إن كان السبب انتماؤه الكردي فأجاب: «لا، طردت لأنني سني أقيم في حي شيعي وبذريعة أن شيعة طردوا من أحياء سنية».

عدت إلى الفندق في إربيل. سألت الشاب العامل خدمة فاسداها إلي. قلت أجامله. سألته عن مدينته بعدما استوقفتني لهجته فقال: «أنا من الموصل. الحقيقة أنني كنت من الموصل». أثارت «كنت» حشريتي. روى أن والده تلقى اتصالاً حاسماً: «لا مكان لكم هنا». سارعت العائلة إلى الفرار. حكى بحرقة أن الموصل أرض أجداده وأجدادهم وأن المسيحيين عاشوا فيها منذ مئات السنين إلى جانب جيرانهم المسلمين. لفتني أنه طرد من المدينة قبل سقوطها في يد «داعش».

أيقظت الإطلالة المدوية لـ»داعش» وأشباهه ذعر الأقليات. ضاعف الهجوم الإيراني في الإقليم حدة النزاع السني - الشيعي. احتمت الأقليات الكبرى بأسلحتها وتحالفاتها واندفعت في مجازفات كبرى مضطرة حيناً ومختارة أحياناً. وضع العرب السنة في العراق ليس سهلاً على الإطلاق. صدام «حزب الله» اللبناني بالكتلة السنية في سورية ليس بسيطاً على الإطلاق. أما الأقليات التي تعوزها الأنياب والعمق الجغرافي والرصيد السكاني فتبدو مرشحة لخسارات قاتلة. ومن يدري فقد نكون في موسم وداع الأقليات. الأقليات الكبيرة القادرة ستهاجر إلى أقاليمها والأقليات الصغيرة العاجزة ستجهز جوازات السفر استعداداً لعبور البحر.

سقوط العروبة الحضارية الرحبة نكبة للأكثريات والأقليات معاً. شيوع التطرف المذهبي يعزز النكبة لأنه ينسف حلم اللقاء تحت مظلة الدولة. تتضاعف نكبة الأقليات الصغيرة حين تسلس قيادها لسحرة صغار أصابتهم لوثة ادعاء الأدوار التاريخية ولشرهين مقامرين يصرون على احتكار الوليمة حتى ولو سبحوا في دم من يزعمون إنقاذهم.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع الأقليات في وداع الأقليات



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab