ايران وفيتنام والانتصار على اميركا

ايران وفيتنام... والانتصار على اميركا

ايران وفيتنام... والانتصار على اميركا

 العرب اليوم -

ايران وفيتنام والانتصار على اميركا

بقلم - خير الله خير الله

ليس الموضوع موضوع الانتصار على اميركا او الانتقام منها. الموضوع ما الذي تفعله بالانتصار على اميركا وأين يصرف ذلك؟ يظلّ مثل فيتنام المثل الاهمّ على انّ الانتصار على اميركا لا يغني عن التعاطي مع الواقع، أي مع القوّة الاقتصادية الأكبر في العالم التي تمتلك في الوقت ذاته التكنولوجيا الأكثر تقدّما، فضلا عن الشركات المتعددة الجنسية القادرة على الاستثمار وخلق فرص عمل في مختلف انحاء العالم في اطار اقتصاد السوق. اقتصاد السوق بحسناته الكثيرة وسيئاته المعروفة طبعا.

هذا ما ادركته فيتنام بعد اذلالها للقوّة العسكرية الأميركية في سبعينات القرن الماضي... وهذا ما لم تدركه ايران التي استطاعت توجيه ضربات مؤلمة الى الاميركيين لاسباب لا تزال غير معروفة، علما ان الإدارة الأميركية التي كانت قائمة في مرحلة انتصار الثورة الشعبية على نظام الشاه (إدارة جيمي كارتر) لم تكن معادية للمطالبين بالتغيير الجذري في ايران.

على العكس من ذلك، حصل تخلّ أميركي عن الشاه في العامين 1978  و1979. كذلك، لعبت الإدارة الأميركية في مرحلة ما بعد رحيل الشاه دورا في تحذير ايران من احتمال التعرّض لهجوم عراقي ابان حكم صدّام حسين. حصل ذلك عن طريق بوب ايمز المسؤول عن شبكة وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إي) في الشرق الأوسط في اثناء زيارة له لطهران. هذا ما يكشفه كتاب ذو مضمون موثّق عنوانه "الجاسوس الطيب" لكاي بيرد. خُصّص الكتاب لبوب ايمز وعلاقته السرّية بمنظمة التحرير الفلسطينية عن طريق علي سلامة (أبو حسن) الذي اغتالته إسرائيل في بيروت بسبب نجاحه في إقامة مثل هذه العلاقة مطلع العام 1979.

من سخريات القدر ان بوب ايمز قتل مع آخرين من كبار المسؤولين في الـ"سي. آي. إي" لدى تفجير السفارة الأميركية في بيروت في نيسان – ابريل من العام 1983 بواسطة انتحاري. لم تكن ايران بعيدة عن تلك العملية التي تلتها عملية تفجير قاعدة "المارينز" قرب مطار بيروت في 23 تشرين الاوّل – أكتوبر من تلك السنة. الحقت عملية التفجير هذه، التي تورطت فيها ايران أيضا، اكبر خسارة بشرية بالجيش الأميركي منذ حرب فيتنام.

لماذا هذا الإصرار الإيراني على الاستمرار في مواجهة الولايات المتحدة والسعي في الوقت ذاته الى الاستفادة منها الى ابعد حدود كما حصل في العراق، وحتّى في أفغانستان، على سبيل المثال وليس الحصر؟ لا جواب واضحا باستثناء ان "الجمهورية الإسلامية" التي اسّسها آية الله الخميني لم تستطع الانصراف الى معالجة المشاكل الداخلية لإيران والإيرانيين. على العكس من ذلك. زادتهم فقرا وبؤسا وحوّلت ايران الى قوّة إقليمية عبر ميليشيات مذهبية. ليس لدى هذه الميليشيات، بدءا بـ"حزب الله" في لبنان وانتهاء بـ"انصار الله"، أي الحوثيين في اليمن، ما تقدّمه على أي صعيد او ايّ مجال كان، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في التعليم ولا في الثقافة.

من اجل تبسيط الأمور، لا يزال النظام القائم في ايران يعتقد ان عليه رفع شعار "الموت لاميركا" و"الموت لإسرائيل" كي يؤكّد وجود عدوّ خارجية يغطي بواسطته سياسته الفاشلة داخل ايران. لا همّ لدى هذا النظام الذي لم يستطع إيجاد شرعية شعبية عميقة له سوى حماية نفسه ومتابعة الهرب الى خارج ايران من اجل تبرير القمع الداخلي وسيطرة "الحرس الثوري" على جزء كبير واساسي من الاقتصاد.

في نهاية المطاف، لا يمكن الانتصار على اميركا. يمكن الاستفادة من اميركا عن طريق التحالف معها في حربها على العراق كما حصل في العام 2003. ولكن في المدى الطويل، لا بدّ من اميركا مهما طال السفر. لولا اميركا لما كانت ايران في العراق ولما استطاعت الانتقام من العراق والعراقيين بسبب حرب الأعوام الثماني، وهي حرب عبثية كان يفترض في العراق تفادي خوضها لاسباب كثيرة تحتاج الى مقال خاص.

في الحرب مع اميركا، انتهت ايران الى ما انتهت اليه. أي الى دولة محاصرة لا تجد من تبيعه نفطها. اعترف وزير النفط الإيراني بذلك أخيرا. إضافة الى ذلك، ضاقت الخيارات الإيرانية الى درجة توقيع اتفاق لمدّة 25 عاما مع الصين. يكشف الاتفاق الى أي درجة تحتاج ايران الى اتفاق مع أي قوّة اقتصادية، باي ثمن كان، من اجل بقاء النظام حيّا يرزق.

في أواخر نيسان – ابريل 1975، كانت هزيمة اميركا في فيتنام. لا تزال صورة طائرة الهليكوبتر العسكرية الأميركية الأخيرة وهي تغادر سطح السفارة الأميركية في سايغون ماثلة في الاذهان. بعد سنوات قليلة، انصرف فيها الفيتناميون الى معالجة مشاكلهم الداخلية، صارت فيتنام دولة طبيعية. عادت الشركات الأميركية، بما في ذلك "بيغ بورغر" و"ماكدونالد" الى فيتنام وصار الرؤساء الاميركيون يزورون هانوي من دون ايّ عقد. زار هانوي جورج بوش الابن وبيل كلينتون وباراك أوباما ودونالد ترامب. عشرات الشركات الكبيرة في العالم تصنع ملابسها في فيتنام حيث اليد العاملة الرخيصة. هذا غيض من فيض الاستثمارات الأجنبية في فيتنام التي فتحت أبوابها للعالم... شرقا وغربا من دون تمييز وبما يخدم مصالحها.

كلمة السرّ في كلّ ذلك كلمتان. الكلمتان هما "دولة طبيعية". ان تكون دولة طبيعية او لا تكون. قبلت فيتنام ان تكون دولة طبيعية تعرف حجمها ولا تريد تغيير العالم، فيما تصرّ ايران على ان تكون قوة إقليمية تسيطر على جزء من العالم، أي على الخليج العربي والشرق الأوسط وما هو ابعد من ذلك بكثير. حسنا، اذا كانت لا تريد ان تتعلّم من تجربة الاتحاد السوفياتي التي هزمها الاقتصاد، لماذا لا تتعلّم من فيتنام؟ ليس هناك من يريد تغيير النظام في فيتنام. تصالحت فيتنام مع نفسها ومع شعبها الذي رفضت بيعه الأوهام. متى تتصالح ايران مع شعبها ومع محيطها وتتوقف عن بيع الشعارات التي لا تأخذ الى أي مكان باستثناء الفقر والبؤس.

انتصرت فيتنام على اميركا. تعرف لماذا انتصرت. في المقابل ليس معروفا ما الذي تريده ايران من أي انتصار مستحيل يمكن ان تحقّقه على القوة العظمى الوحيدة في العالم!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ايران وفيتنام والانتصار على اميركا ايران وفيتنام والانتصار على اميركا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 العرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 العرب اليوم - الأسد يؤكد قدرة سوريا على دحر الإرهابيين رغم شدة الهجمات

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
 العرب اليوم - السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان
 العرب اليوم - يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab