بحث عن فلسطين من بكفيا

بحث عن فلسطين من بكفيا

بحث عن فلسطين من بكفيا

 العرب اليوم -

بحث عن فلسطين من بكفيا

بقلم : خير الله خير الله

كان المؤتمر الذي استضافه “بيت المستقبل” في بكفيا تحت عنوان “حل الدولتين وما يستتبعه: التصورات الموازية لمستقبل القضية الفلسطينية وإمكانات التسوية” مناسبة لاكتشاف أمور كثيرة، بما في ذلك وجود بحث مستمر عن فلسطين وعن كيفية استعادة شعبها للحدّ الأدنى من حقوقه.

من بين هذه الأمور الكلام عن احتمال تقديم إدارة دونالد ترامب، في غضون أسابيع، مبادرة لإيجاد تسوية على مراحل بعيدا عن حل الدولتين أو في إطار هذا الحل. تقوم المبادرة الأميركية المفترضة على انفتاح متبادل بين العرب وإسرائيل من جهة، وتقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة أخرى. إنها عودة إلى سياسة الخطوة خطوة ولكن في إطار إقليمي وفي إطار ما تشهده المنطقة من تطورات مصيرية تصبّ في إعادة تشكيلها.

افتتح المؤتمر الرئيس أمين الجميل الذي حرص على أن يبدأ المؤتمر بالنشيدين اللبناني والفلسطيني تعبيرا عن تمسك اللبنانيين بعدالة القضية الفلسطينية على الرغم من كل ارتكابات المسلحين الفلسطينيين في سنوات الحرب. النشيد الفلسطيني في بكفيا حدث بحدّ ذاته لا يتفوق عليه سوى حدث البحث عن فلسطين من تلك البلدة العريقة التي كانت مهددة بغزوة لـ“الفدائيين” في مرحلة معيّنة من أجل تهجير أهلها.

لم تفت مفارقة عرض ما آلت إليه القضية الفلسطينية في مؤتمر منعقد في سراي بكفيا أحد الفلسطينيين الأذكياء. قال وهو يتمتع بجمال المكان وبهندسة سراي بكفيا: لماذا كان علينا أن ندخل البلدة بالسلاح ومن الجبال المطلة عليها بدل أن نزورها معززين مكرّمين كبني آدميين كما يحصل الآن؟

كانت الأرقام التي صدرت عن فلسطينيين جاؤوا من الضفة الغربية مخيفة. هناك ما يزيد على ستمئة وخمسين ألف مستوطن إسرائيلي في الضفّة الغربية. هؤلاء يقيمون في مئة وخمسين مستوطنة. ذهب أحد المشاركين إلى تأكيد أن عدد المستوطنين بات يقارب الـ800 ألف. ثمة فلسطيني آخر أشار إلى وجود أربعين مستوطنة تطوّق نابلس، كبرى مدن الضفة الغربية.

من الملفت في المؤتمر أن عددا لا بأس به من المشاركين فيه ما زالوا يعيش في الأوهام وفي ظل شعارات تجاوزها الزمن. لا يمكن تجاهل أن القضية الفلسطينية ما تزال قضية مركزية، وهذا ما شدّد عليه أمين الجميّل وأن حلّها يساعد في دعم الاستقرار في المنطقة، لكن الواقع يقول إن هموم العرب باتت مختلفة. لكل دولة عربية مصالح خاصة بها تعكس المخاوف التي لدى هذه الدولة، وهي مخاوف ناجمة في معظمها عن المشروع التوسّعي الإيراني الذي أخذ مداه بعد الحرب الأميركية على العراق في العام 2003 والتي كان من نتائجها تقديم البلد على صحن من فضّة إلى إيران.

لم يكن في المؤتمر أيّ جهد حقيقي لمحاولة فهم حال الترهّل التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية. كانت هناك على العكس من ذلك سجالات فلسطينية – فلسطينية توحي بأن هناك فلسطينيين ما زالوا يعتقدون أنّ “جمهورية الفاكهاني” ما زالت قائمة وأن ياسر عرفات ما زال في بيروت وأن المطلوب التنافس مع “فتح”، التي لم تعد “فتح”، حتّى لو كان من يسعى إلى هذا التنافس تنظيم فلسطيني صغير لا قيمة تذكر له في الأراضي الفلسطينية. رأس المال الوحيد المتبقي لهذا التنظيم، الذي يزايد في الوطنية وفي إعطاء الدروس في كيفية التفاوض مع إسرائيل، الأموال التي سرقها من البنك البريطاني في بيروت قرب الكنيسة الكبوشية في العام 1976.

كان مؤتمر بكفيا غنيّا إلى حد كبير. لم يكشف أن هناك فلسطينيين ما زالوا يعيشون في الأوهام فحسب، بل كشف أيضا أن هناك فلسطينيين يريدون التصالح مع الواقع. بين هؤلاء نبيل عمرو الوزير السابق في السلطة الوطنية الذي شغل موقع السفير في موسكو وفي القاهرة لاحقا. اعتبر نبيل عمرو، وهو من الخليل، “أنّ الخوف حاليا هو على الوضع الداخلي الفلسطيني. في السياسة لا ينقرض شيء. اتفاق أوسلو وحل الدولتين ما زالا قائمين”. وعندما طرح موضوع المبادرة الأميركية الجديدة المفترضة كان تعليقه “أنا أعرف ماذا يريد الأميركيون وماذا يريد الإسرائيليون. علينا أن نسأل أنفسنا ماذا نستطيع أن نأخذ وماذا نستطيع أن نعطي”.

كان واضحا ومباشرا وصريحا عندما تحدث عن التنسيق الأمني بين الأجهزة الإسرائيلية والفلسطينيين. قال “إن هناك نوعين من التنسيق. التنسيق بالسكاكين في الضفة الغربية وتنسيق بالصواريخ في غزة تتولاه حماس”. لاحظ أن السلطة الوطنية تنسق أمنيا مع إسرائيل على نحو مباشر في الضفة. أما “حماس” فتعتبر مثل هذا التنسيق “عيبا” لذلك تنسق مع إسرائيل “عبر تركيا وقطر”.

لم يكن “بيت المستقبل” الذي أسسه أمين الجميّل منتصف سبعينات القرن الماضي المنظم الوحيد للمؤتمر، بل كانت هناك مؤسسات أخرى ساهمت في جعل المؤتمر حقيقة. هناك “مؤسسة كونراد أديناور” و“مركز ولفريد مارتنز” و“مركز القدس للدراسات السياسة”. أدى التعاون بين المؤسسات الأربع إلى توفير مناخ سمح لعدنان أبوعودة الوزير الأردني ورئيس الديوان الملكي سابقا بالقول “إن هنري كيسينجر كان صاحب فكرة اعتبار قمة الرباط في العام 1974 منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”.

كان الهدف من ذلك تحويل الضفّة الغربية المحتلة منذ العام 1967، عندما كانت تحت سيادة الأردن، إلى أرض “متنازع عليها” بين إسرائيل والفلسطينيين. كشف أبوعودة أن الصحافي السوفياتي يفغيني بريماكوف الذي كان يزور الشرق الأوسط مطلع الثمانينات من القرن الماضي كصحافي يبحث عن الأخبار أبلغه باكرا أنه “لن تكون هناك دولة فلسطينية”. أصبح بريماكوف لاحقا رئيسا للوزراء في روسيا وكان شخصا نافذا في كلّ وقت ومعبرا عن سياسة الكرملين.

ولاحظ أن المسؤول السوفياتي ورئيس الوزراء الروسي لاحقا كان متفقا مع جيمس بايكر وزير الخارجية الأميركي في عهد بوش الأب بين 1989 و1993 الذي أبلغه بصفته مبعوثا للملك حسين في العام 1991 أن هدف مؤتمر مدريد ليس الوصول إلى دولة فلسطينية بل إلى “كيان فلسطيني”، أي إلى ما هو أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي.

كان بين أفضل من لخص ما جرى في بكفيا الدبلوماسي ناصيف حتي الذي تحدث عن “دبلوماسية إدارة الصراع”. كان في غاية الدقة عندما قال إن العرب “يمارسون الدبلوماسية من دون عامل القوة”. كان هناك بحث عن فلسطين من بكفيا. كثيرون تحدثوا في المؤتمر، لكن قليلين أظهروا من خلال ما قالوه إن ثمة حاجة إلى ربط كلّ كلام بالواقع وبموازين القوى القائمة.

ليس أسهل من إطلاق الشعارات في وقت زالت دول عربية مثل العراق وسوريا من الوجود. ليس أسهل من قول أي كلام عندما يعتقد المرء أن لا شيء تغير في خمسين عاما، أي منذ هزيمة 1967.

هناك دولتان عربيتان مرتبطتان بمعاهدة سلام مع إسرائيل، هما مصر والأردن وهناك دولة، هي سوريا، تاجر النظام فيها بفلسطين، فزالت من الوجود. وهناك وضع فلسطيني مأزوم تعبر عنه بوضوح، ليس بعده وضوح، استحالة إعادة الربط بين الضفة الغربية وغزة، فضلا عن عدد المستوطنات الإسرائيلية وعدد المستوطنين في الضفة… وقيادة فلسطينية تمارس دور رئيس البلدية وتتصرف من منطلق أنّها دولة حقيقية موجودة بحد ذاتها.

المصدر : صحيفة الحياة

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 04:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 03:26 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحث عن فلسطين من بكفيا بحث عن فلسطين من بكفيا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 18:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعيّن بوهلر مبعوثا لشؤون الرهائن
 العرب اليوم - ترامب يعيّن بوهلر مبعوثا لشؤون الرهائن

GMT 14:49 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
 العرب اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab